أخطأت في حضرة الصغار فكبروه - صالح عبدالله الأسمر العجلوني

mainThumb

21-02-2018 10:41 AM

في علم الفيزياء هناك قاعدة تستهوي الكثيرين ويرددونها في العديد من المواقف التي يتعرضون لها مبررين همجيتهم وغلظتهم و فجاجتهم ؛ بتلك القاعدة التي تقول : أن لكل فعل رد فعل مساوي له بالقوة ومعاكس له بالاتجاه وهذا الكلام قد نسلم بصحته اذا ما كان الحديث عن العناصر والأشياء التي ليس لها عقل أو قلب أو ضمير ...وفي علم السلوك البشري تقول القاعدة أن الانسان الراشد اذا تعرض  لموقف فيه اساءة من قبل شخص في مرحلة الطفولة وقام بالرد على تلك الاساءة بنفس الدرجة من السلوك فهو يكون قد استخدم (أنا الطفل) في ردة فعله تلك وهنا تنتفي عنه صفة الرشد اذ ينبغي أن يواجه (أنا الطفل ) التي تسببت بالاعتداء والاساءة  (بأنا الراشد) التي تؤمن بأن ردة الفعل لايجب أن تكون مساوية للفعل لا بالقوة ولا بالاتجاه ..
 
وفي ديننا قواعد كثيرة توجه سلوكنا في لحظات الرضى وفي لحظات الغضب فتوجهها الوجهة السليمة ألم تقرأوا قوله تعالى : ( و الذين يجتنبون كبائر الأثم و الفواحش واذا غضبوا هم يغفرون) (الشورى :37) و في الحديث الذي يرويه أبو هريرة عن حبيبنا و نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مبينا ومصححا وشارحا فيه لمفهوم الشديد أي القوي فيقول  : (ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) ويقول ابن تيمية : (ما تجرع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند غضب و جرعة صبر عند مصيبة ).
 
ولقد فعلت كل ذلك يا صلاح فقد اعتذرت عن خطأ غير مقصود وغير مؤثر لا على حياة البشر ولا على الشجر ولا على الحجر ولقد غفرت لمن أستهزأ و استخف وأساء فكنت الراشد في مواجهة الطفل وقد كنت الشديد حيث ملكت نفسك عند الغضب وكنت الصبور على ما أصابك.
 
وبالرجوع لموضوع الخطأ عبر المصادر المختلفة وجدت أنه قد تم وضعه تحت مجهرمكبر ليقوم بتكبيره عشرات بل مئات المرات وكان مبعث من قام به التكبير والتهويل أو التسلية أو للسخرية والاستخفاف أو من قبل المترصدين و المصطادين في المياه العكرة ،وأن فعلا كهذا اذا ما تم التجييش له و تكبيره بالعدسات المكبرة وتشويهه بالعدسات المقعرة و تضخيمه بأجهزة تضخيم الصوت فان مردوده بلا شك سيكون مؤلما ومؤلما جدا وهذا ما حصل فعندما نتصيد أخطاء الناس و هفواتهم و ننشرها ستكبر رغم صغرها و ستؤذي رغم سخافتها ، وهنا نقف مرة أخرى متسائلين : ترى هل حققت هدفك يا من قمت بعمليات النشر و التكبير و التضخيم ؟؟؟ وهل كنت تبحث عن سبق ترضي به غرورك ؟؟؟ بل دعنا نسأله سؤالا مفتوحا ليبدع في الاجابة ولا يكون لنا سبيلا للقرصنة على تفكيره والسؤال هو : الى ماذا ترمي من فعلتك هذه ؟؟؟
 
و اسمحوا لي بوقفة لابد منها من الرجوع للخلف قليلا لنجلي لكم الصورة بأسئلة معلنة وباجابات مستورة أحيانا ...فمن هو صلاح هذا المجرم الخطير الذي ارتكب هذا الجرم العظيم  ؟ انه شاب أردني من قرية وادعة علمته كيف يتسامى كيف يتسامى فوق الجراح ، وقد أمضى أكثر من عشرة أعوام وهو يعاني من البطالة و توابعها ولقد شق طريقه في صخر الواقع  بعزم واقتدار ومن مظاهر البذخ التي تتجلى عليه أنه يمتطي الركوبة الرسمية للشعب الاردني الكادح (كيا سيفيا )  بيضاء  اللون لم تترك مطبا ولا حفرة في هذا الوطن الا وعانقتها عناقا ظاهرا على محياها ويسكن في شقة متواضعة لا تتجاوز (120م)  كانت قد تعرضت من مدة ليست ببعيدة لكارثة الحريق بعد أن أتم تجهيزها بشق الأنفس وحاله في ذلك حال أغلبية الكادحين من أبناء الحراثين  فلم تمنحه النار فرصة التمتع بها وأتت على كل شيء فيها حتى بلاط الجدران ..
 
اذا هذا هو صلاح الفاسد المفسد الذي تم التجييش ضده بالمنشورات من أجل تخليص البلد من فساده و أخطائه الفادحة هذا هو صلاح الذي لا يعرف الا درب وظيفته ومسجده و مستشفيات الوطن  التي ينقل اليها والديه للعلاج  واجراء العمليات اذ هو الراعي الرسمي لوالديه كونه يسكن في نفس البيت ، وشاءت الأقدار أن يقع في خطأ بسيط وتافه عندما قرأ موقع أعلان النتائج بطريقة معكوسة فقامت الدنيا ولم تقعد ونفذ الضجيج الى مؤسسته التي عمل بها بكل جد واخلاص فأصغت لصوت الفضاء الافتراضي وصمت آذانها عن صوت الانجاز الحقيقي عبر سنوات خدمته الطوال فيها وقاموا بنقله الى زاوية منسية ليقيموا ميزان العدل  ضد هذا الفاسد الكبير .
 
راجعت ذاكرتي فوقفت مندهشا عندما قارنت ذلك الخطأ الذي وقع به صلاح مع موقف مشابه وقع لوزير أردني نجل ونحترم وقد عذرناه ، فعندما بدأ الحديث في مؤتمر معين وأخذ يقرأ في كلمة مكتوبة بموضوع أخر غير موضوع المؤتمر فحدثت بلبلة في القاعة لتذكيره بموضوع المؤتمر ؛ فأيقن انه قد أخطأ فطلب من الناس أن يعطوه الخطوط العريضة ليتكلم في موضوع المؤتمرالذي هم بصدده واستدرك الموقف  و قد كان من ضمن الحضور صاحبة السمو الملكي الاميرة بسمة التي قابلة الخطأ بابتسامة مطمئنة و عقبة فقالت أن موقفك هذا رسخ حديثك عن موضوع المؤتمر في الأذهان ، انه سلوك الكبار الذين يصغر في حضرتهم كل ذنب فهم مدركون أن الأنسان معرض للخطأ و السهو و النسيان أما أنت يا صلاح فقد أخطأت في حضرت الصغار فكبروا خطأك ..
 
وختاما لا ننسى من كفانا مؤونة الحديث و التبرير من أبناء الوطن الكرام  من اعلاميين وأكاديميين من شمال الوطن وجنوبه ومن غربه وشرقه  ومن خارج الوطن الحبيب ممن وضع الامور في نصابها ونزعوا عن أعين الناس  العدسات المحدبة والمقعرة فبدا المشهد بمواصفاته الحقيقة  فجزاهم الله خير الجزاء . وحمى الله البلاد والقيادة والعباد من شر مراد وعاش الأردن ودام أهله الكرام .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد