انحراف البوصلة والعنف المجتمعي - د.محمود العمر العمور

mainThumb

15-12-2018 02:25 PM

معروف علميا أن البوصلة تتجه نحو الشمال، لنتعرف بعدها على الاتجاهات الأربعة، ولكن وجود مجالات كهرومغناطيسية بالقرب من البوصلة تؤدي إلى انحراف البوصلة حسب تلك المجالات، وقد تستمر البوصلة بالدوران في اتجاهات مختلفة، كما لو أصابها الدوار، مما يؤدي إلى عدم معرفة الاتجاهات وبالتالي التوهان ثم الضياع.
 
 وبوصلة الأمة هي التزامها عقيدتها ونهجها الرباني علما وعملا، لتستمر في مسارها الصحيح، ولكن مع وجود تيارات تشوش على مجالها الصحيح، تنحرف بوصلتها نحو توجهات خاطئة، وقد تصاب بالدوار الذي يؤدي بها إلى التوهان ثم الضياع-لا سمح الله-.
 
  ومن أشد توهان الأمة في زمننا هو انحراف بوصلة الشدة عندها، لتصبح فيما بينها بدل توجهها الصحيح نحو عدوها، قال تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (سورة الفتح 29). فالشدة يجب أن تكون موجهة نحو العدو الخارجي الذي يعتدي على الأمة ومقدساتها، والرحمة هي التي يجب أن تسود بين أبناء الأمة.
 
 فأصبحت العلاقة بين أبناء الأمة الواحدة تتسم بالشدة، لينتشر العنف، وتزداد حالات المشاجرات والقتل على أتفه الأسباب، وينمي ذلك التربية على العصبية للأسرة والقبيلة مكان التزام الحق والعدل، ليكون نصرة الظالم لا بالأخذ على يده ومنعه من الظلم، بل بالدفاع عنه وتشجيعه على الاستمرار في ظلمه وغيه.
 
  ثم اعتقاد البعض بأنهم فوق الدولة، بعدم احترام وتطبيق القانون، وبالتصريح بذلك: نحن الدولة، والدولة أكبر من الجميع، والركون إلى قوانيين عشائرية لتحل مكان الشرع الإلهي ومكان الدولة المدنية، والاحتكام إلى أشخاص غير مؤهلين علميا، وتنقصهم الحكمة وسداد الرأي، الذين جعلوا المجالس أهم من المدارس، وقالوا بأن الأسرة التي ليس فيها جهال تضيع حقوقها، لتتناقل تلك المجالس ذلك الجهل جيلا بعد جيل، فتظهر تلك الأهازيج والأغاني التي بدأت في الانتشار كالنار في الهشيم، تحض على العنف والقتل؛ تكسير العظام والرؤوس، واشعال النار، وسفك وشرب الدماء وغيرها.
 
  وتستمر البوصلة في دورانها ودوارها، ليتسع اعصار العنف، متجاوزا تلك الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحذر وبشدة من سفك الدماء والعنف، قال صلى الله عليه وسلم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها". فكيف بمن أشار بسلاح؟ وكيف بمن ضرب وطعن وقتل؟ والحديث المرعب المخيف الرادع قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم النار". وفي رواية زاد: " ولا يبالي".
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد