لسنا ممن يفسد حقل وردٍ بصفعتين!

mainThumb

16-03-2019 11:01 AM

من أنبل القيم التي يكثر الحديث عنها، وتدور حولها القصص، سواء كانت حقيقية أم خرافية، نسبةً لما يعوّل عليها من زيادة الألفة والمحبة بين الناس -إن هي خلصت- أو ما قد تهدم من علاقات المودة بينهم -إن هي جافت- نهجها وغايتها، فالصداقة تقوم على مبادئ، ترتبط معا بخيط كحبات السبحة، فهي المحبة والصدق والثقة والوفاء وحفظ السر والتسامح والايثار والتشارك في الافراح والاتراح، ولو انفرطت حبة منها، كانت وبالا على أطرافها، وانتهى ما يؤمل منها إلى خراب.

كثير منا -اليوم- يفتخر بعديد الأصدقاء، خاصة في عالم التواصل الافتراضي، ويحسب أن الصداقة مرتبطة بشكليات أو علامات، لا تسمن ولا تغني من جوع، والصداقة ليست بعدد من تعرفهم، أو تقيم معهم علاقة بأي شكل كان، بل تقاس بالوفاء، والمحبة الصادقة، أمّا ما يدل عليها -حقيقة- فهي اختبار الأصدقاء وقت النائبات، عندها يتبين الصديق الوفي من غيره، وتاليا قصة تبرز معنى وقيمة الصداقة الحقيقية.
 
الأبن (متفاخرا): لدي الكثير من الأصدقاء، أمّا أنت يا أبي لديك واحد فقط!
 
الأب (مشككا): أي أن لديك الكثير من الأصدقاء!، لكن هل كل من تناديه أو تعرفه صديق؟
 
الأبن (معترضا): لا، أنا لديّ أصدقاء حقيقيون.
 
الأب (بتحد): متأكد، هل أنت مستعد أن نختبرهم؟
 
هكذا قررّا أن يمتحنا أصدقاء الأبن الشاب، وفي مساء أحد الأيام قاما بذبح خروفٍ ووضعاه في كيس يقطر منه الدم.
 
الأب: خذ هذا الكيس إلى أقرب صديق لك. 
 
حمل الأبن الكيس على ظهره، والدماء تنزف منه، وبدا الأمر كأنه قتل أحدا من الناس، وذهب إلى بيت أقرب صديق له. 
 
دقّ الباب، فخرج الصديق، نظر إلى الكيس فذعر
 
الشاب: لقد قتلت رجلا، هلّا ساعدتني؟ 
 
قفل الباب بوجهه بسرعة، وبعدها قصد الشاب أصدقاءه كلٍّ على حدة، لكنّ الأبواب كلها أغلقت في وجهه.
 
عاد إلى بيته مهموما، مخذولا، بل منهارا، لم يساعده أحدٌ ممن اعتقد أنهم أصدقاءه.
 
الأب (مشفقا لكن مبتسما): الآن حان دور صديقي، اذهب اليه وقل له: إنك قتلت رجلا، لنرى ماذا سيفعل!
 
ذهب الشاب إلى بيت صديق والده، وأخبره بقصة القتل، وسرعان ما أخذ صديق والده الكيس من يده، دون أن ينظر فيه، وذهبا إلى حديقة خلف البيت وقاما بدفن الكيس الملطخ بالدم بشكل جيد. وقاما بزرع الورود فوقه حتى لا يفهم أحد.
 
عاد الأبن إلى أبيه وقال: نعم يا أبي، أُقر أن هذا هو الصديق الحقيقي.
 
الأب: انتظر، لا تقرر هكذا بسرعة!، بل أريد منك أن تذهب غدا إليه مرة أخرى، وتفتعل معه مشكلة، بل واصفعه مرتين فوق هذا أيضا. 
 
الأبن (مشدوها): كيف يا أبي؟ هل يعقل هذا؟
 
الأب (بإصرار): اذهب، وافعل ما ابلغتك به، ولا تجادل 
 
ذهب الأبن، ونفذ تماما ما قاله والده -دون تردد- وعندما تلقى صديق والده الصفعتين، نظر اليه، ثم قال: بلّغ سلامي لوالدك، وقل له: لسنا ممن يفسدون حقل ورود بصفعتين مثل هاتين.
 
وهكذا بحنكة المجرب وخبرة المتمرس، أوصل الوالد لولده الحكمة البالغة، أن الاصدقاء ليسوا عددا نفاخر به، بل هم من يثبتون أنفسهم معنا في الشدة لا في الرخاء.
 
ورحم الله الإمام الشافعي الذي قال:  
 
جزى الله الشدائد كل خير                         وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمدا                              ولكن عرفتُ بها عدوي من صديقي
وفي موضع أخر يقول:
ما أكثر الإخوان حين تعدهم                       ولكنهم في النائبات قليل
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد