وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ (سيدنا يوسف وزليخا، ج3 من 10)ِ.

mainThumb

28-12-2019 09:25 AM

 إستكمالاً لما جاء في الجزء الثاني من مقالتي السابقة والتي ناقشت الآية رقم 24 من سورة يوسف، نتابع في هذه المقالة أحداث الآية (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  (يوسف: 25)). وعندما خَلَّصَ يوسف نفسه من السيدة زليخا بلطف وهرب منها راكضاً نحو الباب (الأبواب كما ذكرنا أنه كان لغرفتها أكثر من باب) لحقت به بجنون وهوس (لأنها لطالما خططت ودبَّرت وراودت وطاردت يوسف خلال السنوات الماضية لتضعه في هذا الموقف وفي داخل حجرة نومها ... إلخ) وبكل ما عندها من عزم وقوة (إذا جاز لنا التعبير كما تطارد اللبؤة فريستها). ولكن الله سبحانه وتعالى خطط ودبَّر ليوسف أفضل ما خططته ودبرته زليخا له (والله سبحانه وتعالى ليس كمثل تخطيطه وتدبيره وإدارته لهذا الكون وما فيه من مخلوقات شيء). فإستجاب له الله عندما قال في الآية رقم 23 ... معاذ الله ... فأراه الله برهانه ومن ثم فتح له الأبواب كلها باباً من بعد باب ولا ننسى جميعاً أن هذه الأبواب كلها تم تغليقها بإحكام وأدوات الإغلاق الأخرى حتى لا يستطيع يوسف الهروب والخروج من غرفة نوم السيدة زليخا إلا برغبتها وموافقتها.

 
المشهد كما هو واضح في هذه الآية أَفْلَتَ سيدنا يوسف نفسه من يدي السيدة زليخا وركض هارباً نحو الأبواب المغَّلقة ولحقت به زليخا بدون وعي وأخذت الأبواب تفتح له بأمر الله باباً بعد باب والسيدة زليخا تتبعه راكضة بكل ما عندها من عزم وقوة حتى وصل لآخر باب فُتَحَ له فلحقت به ومسكته من قميصة من الخلف وهو يركض مسرعاً فقدته (مزقته) من الدبر. وهذا أكبر دليل على أنها كانت تريد الإمساك به بأي طريقة كانت وعدم تركه حتى تنال حاجتها منه كما أسلفنا. وهنا يتضح لنا كيف أصبحت زليخا في تصرفها كالحيوان لأن غريزتها طغت على عقلها وأنستها من هي ومن زوجها وتصرفت بدون عقل تماماً. وعند آخر باب فُتَحَ بأمر الله ليوسف، فوجيء كل من زليخا ويوسف بالعزيز عند الباب وكأنه كان يرغب في الدخول إلى غرفة نومه لإعلامها بحضور ضيوف من أهلها. فيا لهول الموقف والمفاجئة التي لم تتوقعها زليخا (لأنها إعتقدت أنها دبرت وأحكمت خطتها وكانت تعتقد أن زوجها كان مشغولاً بمسؤولياته في القصر كعزيز مصر ولم تتوقع حضوره في ذلك الوقت) ولكن الله هو الأقدر والأعلم بالتدبير والتخطيط من أي مخلوق من مخلوقاته.
 
فمن هول المفاجئة، قالت زليخا لزوجها بصيغة السؤال: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً؟ ... فإتهمت يوسف العفيف، الأمين، الخلوق الذي جعله الله من عباده المخلصين بأنه أراد بها سوءاً ولم تستطع أن تتهمه صراحة بالإعتداء عليها جنسياً، لأنها ربما تحرك عندها الضمير قليلاً لكونها ربته ورعته من طفولته حتى أصبح شاباً يافعاً. ولكن في نفس الوقت من هول المفاجئة، لم تنتظر أن يحكم عليه العزيز ولكونها كانت سيدة مصر الأولى والأمر والنهي بيدها ... إلخ، فلعبت دور المشتكي والحاكم في نفس الوقت وهذا لا يجوز. وأصدرت حكمها عليه بالفور وكأن إدانته ثبتت عليه وهو إما بالسجن أو بالعذاب الأليم. ويا لهول وعظم هذا الحدث لما فيه من ظلم وقهر ليوسف ممن إعتبرها والدته (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (النحل: 61)). وهذا ما سنقرؤه في جزء قادم من مقالاتنا، كيف إنتقم الله ليوسف من زليخا وأظهر الحقيقة؟. قال الشاعر طرفة بن العبد: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة    على المرء من وقع الحسام المهند. اللهم إبعدنا عن الظلم لأن الظلم مرتعه وخيم وليس هناك حجاب بين دعوة المظلوم وربه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد