الورود تنمو في الخريف

mainThumb

06-03-2020 04:24 PM

في المخيم المنسي في الشمال أصرّ العم عبد الله على أن يغرس تحت كلّ نجمة تشعّ في السماء شجيرة ورد .. وقد ظلّ شهرين كاملين يتنقّل من واد إلى واد ومن جبل إلى جبل غير آبه بتقلّبات الطقس ولا برداءة الأحوال حتى جمع بعناية أفضل البذور التي تنبت أجمل شجيرات الورد .

والعم عبد الله لمن لم يتشرّف بمعرفته إنسان ودود ومحب وكثيرا ما كان يجرفه الحنين حين يتذكر أمرا أو حادثة ما فتنهلّ دموعه كالأنهار التي لم تجفّ مياهها بعد ، في الرابعة والخمسين من عمره يظن من يرى شعره الأشيب أنه بلغ الثمانين أو أكثر له قسمات مريحة تبعث على الثقة ودائما كانت ترتسم على ثغره ابتسامة ودودة .. خصلة واحدة فقط كانت تلازمه وهي أنه كان لا يتزحزح عن رأي ارتآه أو معتقد آمن به والحقيقة أن هذه الخصلة كانت تسبب لمحبيه الحرج ولكنهم في النهاية كانوا يقفون معه بسبب أن الآراء التي كان يقولها ويتشبث بها كانت تثبت صحّتها في النهاية .. حين سئل متى تنوي زراعة البذور قال لهم :
 
هذه البذور ليس لها وقت محدد لزراعتها ..
 
اختلف من تجمّع حوله في الرأي فريق قال إنه أدرى وفريق قال إنه يهذي وأما جماعة المسؤولين فقالوا نشير أن تزرع البذور في حديقة عامة ليستمتع الناس والزوار بما ستنبت من ورود .. وللمرّة الثانية يختلف من تحلّق حوله وفي هذه المرة لم يكتفوا بالإختلاف في الرأي ولكن تماسكوا بالأيدي واختلط الحابل بالنابل ولم تجد صرخات المهدئين نفعا بل ازداد الصراع عنفا واتخذ مناحي شتى استعملت فيها العصي والهراوات ولما ازداد الحال سوءا صاح العم عبد الله فيهم صيحة عظيمة جعلتهم يتوقفون تماما وينظرون إليه غير مصدقين لما يفعله فقد نثر البذور التي شقي بجمعها طيلة شهرين كاملين في الهواء .. تفرق الجمع وصار كل منهم يعلق على ما حدث من وجهة نظره وكانت هناك آراء كثيرة طفت على السطح حينذاك تكاد تتفق على شيء واحد تقريبا هو أن العم عبد الله أضاع عناء شهرين كاملين وفرّط في حلم الجماعة ولكن ما حدث بعد ذلك كان غريبا وكان أقرب إلى الخيال فلم تمر أسابيع معدودة إلاّ ونبتت أشجار ورود كثيرة والأغرب أن كلّ شجرة ورد نبتت على الأرض كان يقابلها في السماء نجمة مشعّة تكاد بروعة بريقها تأخذ الألباب...
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد