ملاحظات حول آلية اختيار رؤساء الجامعات

mainThumb

03-09-2025 11:52 PM

مع دخول الدولة الأردنية مئويتها الثانية، تتواصل جهود التحديث الشامل. فبعد إطلاق عمليتي التحديث السياسي والاقتصادي، كان من البديهي أن يَطال التحديث قطاعَ التعليم العالي. وتُعد عمليتا تقويم رؤساء الجامعات الرسمية (التي اُنجزت في الخامس من آب الماضي) واختيار رئيسي جامعتي اليرموك والطفيلة التقنية (التي بدأت في العاشر من الشهر ذاته ولا تزال مستمرة) التطبيقَ العملي الأول لاستراتيجية تحديث التعليم والموارد البشرية والبحث العلمي، بعد سريان نظامها في النصف الأول من العام الحالي. وبينما انتهت عملية التقويم بخيرها وشرها، يركز هذا النقاش على عملية الاختيار الجارية التي دخلت مرحلتها النهائية.
للتذكير، اعتمد مجلس التعليم العالي في بداية آب الماضي آليةً جديدة لاختيار رؤساء الجامعات، بهدف تعزيز النزاهة والشفافية وضمان المنافسة العادلة للكفاءات الأكاديمية. وتتمثل هذه الآلية في سلسلة من الخطوات: تشكيل لجنة للاختيار، والإعلان عن الشاغر، ودراسة الطلبات، ومراجعة مقاطع الفيديو للمرشحين، وإجراء المقابلات الأولية، ثم تقديم عروض تقديمية، فالمقابلة النهائية، وأخيرًا رفع التوصيات إلى المجلس. وتماشيًا مع ذلك، شُكلت لجنتان منفصلتان لجامعتي اليرموك والطفيلة التقنية، وشرعتا في عملهما حتى وصلتا إلى مرحلة المقابلات مع القائمة القصيرة للمرشحين (المكونة من 5 مرشحين لكل جامعة) تمهيدًا لرفع التوصيات النهائية.
على الرغم من الترحيب الواسع الذي قوبلت به الآلية الجديدة من قبل المجتمع الأكاديمي، فإن مراقبة ردود الفعل داخل جامعتي اليرموك والطفيلة التقنية، وآراء المتقدمين البالغ عددهم – وفقًا للتسريبات – نحو 181 مرشحًا، والمهتمين بشؤون التعليم العالي، تكشف عن وجود ثغرات وعيوب عدة في التطبيق العملي. وفيما يلي جملة من الملاحظات البناءة التي تسعى للتحقيق والمراجعة قبل استكمال المرحلة الأخيرة، تفاديًا لإخفاق العملية برمتها – لا قدر الله – كما حصل سابقًا حين عانت الجامعات من عدم استقرار قياداتها، مما انعكس سلبًا على أدائها وعلى ثقة الجمهور بمجالس الحاكمية مثل مجلس التعليم العالي ومجالس الأمناء.
ويمكنني أن أجمل ملاحظاتي النقدية في الأمور التالية: الانتقائية في التطبيق، وعدم الوضوح الاستراتيجي، وغياب معايير المفاضلة في بعض المراحل المعلنة، وغياب الشفافية وعدم السرية، وتضارب المصالح، وضعف الرقابة، وتعدد الترشيحات، وتضارب المصالح، والنظرة الضيقة لمفهوم التقنية والتخصصات المرتبطة بها، وغموض المراحل القادمة.
1. الانتقائية في التطبيق: إذا كانت هذه الآلية قد وُضعت أثناء عملية تقييم الرؤساء السابقين، فلماذا لم تُطبق على جميع الجامعات قبل تجديد ولاية ثلاثة رؤساء وفقًا للطريقة القديمة ("على الذراع"): وهي الأردنية، والتكنولوجيا والألمانية؟
2. عدم الوضوح الاستراتيجي: هل سيقتصر تطبيق هذه الآلية على جامعتي اليرموك والطفيلة التقنية فقط، أم أنها ستصبح المعيار المعتمد لاختيار جميع رؤساء الجامعات الرسمية مستقبلًا، خاصة مع اقتراب انتهاء ولايات بعض رؤساء الجامعات الرسمية الأخرى؟
3. غياب معايير المفاضلة في المراحل المختلفة: لم يُعلن عن المعايير التي استندت إليها اللجنتان في تقصير القوائم الطويلة من 101 مرشح لليرموك و80 مرشحًا للطفيلة إلى 15 مرشحًا فقط لكل منهما. ويُعد غياب الشفافية في هذه المرحلة الحاسمة إجهاضًا للعملية برمتها، ولا فرق بينه وبين سياسة "التعيين على الذراع" المتبعة قديما والتي أتعبت الجامعات وضعفت أدائها.
4. غياب الشفافية والاعتماد على التسريبات: لُوحظ غياب تام للشفافية في المراحل المنتهية، لدرجة أن المعلومات أصبحت تُنقل عبر التسريبات والمصادر غير الموثوقة. كان من الممكن تعزيز الثقة وخفض الإشاعات عبر الإعلان الرسمي عن القوائم (الطويلة، والقصيرة والقصيرة القصيرة ...) على موقع الوزارة!!؟
5. ضعف الرقابة: لم تُشرك أي جهة رقابية محايدة (كديوان المحاسبة) في عضوية لجان الاختيار أو للإشراف على مراحل التنفيذ، مما يعزز الشكية وعدم المصداقية لمخرجات العملية. وكان من السهل القيام بذلك وتلافي هذا الخلل.
6. تعدد الترشيحات: علمت من خلال التسريبات – لغياب المعلومة الرسمية – أن بعض المرشحين تقدموا بأكثر من طلب للجامعتين. ألم يكن من الأفضل وضع شرط يحدد التقدم لجامعة واحدة فقط لتحقيق التركيز وترشيد الجهد والوقت؟
7. تضارب المصالح: من الإيجابي أن أحد أعضاء مجلس التعليم العالي قد استقال قبل أيام من بدء عملية الاختيار ليتمكن من الترشح، تجنبًا لتضارب المصالح. لكن هل تُعد هذه الفترة كافية؟ يُفترض أن تكون فترة "منع تضارب المصالح" أطول (ستة أشهر إلى سنة) لضمان الحيادية التامة.
8. تضييق نطاق تخصصات المرشحين: تسرب أن معيارًا غير معلن (حمل شهادة الدكتوراة في الهندسة) استُخدم لتصفية مرشحي جامعة الطفيلة التقنية البالغ عددهم حوالي 80 مرشحا في المرحلة الأولى. هذا يتنافى مع الفلسفة الشاملة للتعليم التقني والتوجه العالمي نحو التخصصات المتعددة (Multidisciplinary)، ويتجاهل سجل النجاح الذي حققه رؤساء جامعات أردنية من تخصصات متنوعة (كاللغة الانجليزية والتاريخ واللغة العربية والطب والعلوم ... ) في قيادة الجامعات الأردنية. لا بد من مراجعة تضمينات مفهوم التقنية لضمان عدم خنق جامعة الطفيلة التقنية وتمكينها من التوسع في التخصصات الصحية التي حرمت عليها بلا مبرر حقيقي.
9. غموض المراحل القادمة: ما تزال بعض خطوات الآلية القادمة (مثل لقاء المجتمع الجامعي واختبار المحاكاة) غامضة، مما يستدعي التوضيح قبل المضي قدمًا.
في الختام، هذه أبرز الملاحظات التي رصدتها شخصيًا أو تلقيتها من الزملاء والأصدقاء والمتابعين داخل الأردن وخارجه، وأطرحها هنا في إطار النقد البناء والإصلاح أملاً في المراجعة والتصويب قبل أن تكرر الآلية إخفاقات الماضي وتهوي بمؤسستين عزيزتين إلى دوامة الشكية وعدم الثقة.
كما أمل أن يتحلى مجلس التعليم العالي بالشجاعة والمرونة للاستجابة لمثل هذه الملاحظات، وأن يخرج وزير التعليم العالي عن صمته ويكلف متحدثًا إعلاميًا قويًا بنقل مجريات العملية بشفافية، على غرار النجاح الذي حققته الوزارة في متابعة عمليات القبول الجامعي، وللوزير أسوة حسنة بالجهد الإعلامي والتنويري الذي يقدمه السيد مهند الخطيب! والله الموفق!
لا شك أن هناك ملاحظات أخرى قد أكون نسيتها أو أغفلتها انصياعا لقوانين النشر، والباب مفتوح لمزيد من الإثراء والتصويب!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد