عبء الدين العام في الاقتصادات العربية

mainThumb

25-10-2025 11:51 PM

تحليل نقدي ونظرة نفسية واقتصادية للواقع الأردني

في العقد الأخير، تواجه الاقتصادات العربية تحديات مالية متصاعدة، حيث أصبح الدين العام يتصاعد بوتيرة أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي. هذه المعادلة لا تعكس مجرد أرقام، بل تمتد آثارها لتشمل حياة المواطنين اليومية، فتؤثر على شعورهم بالأمان المالي وقدرتهم على التخطيط لمستقبلهم الشخصي والأسري.
الأردن يقدم نموذجًا واضحًا لهذه المعضلة. ففي يوليو 2025، أظهرت بيانات وزارة المالية أن إجمالي الدين العام بلغ 46.27 مليار دينار أردني، أي ما يعادل 118.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مع اعتماد كبير على الاقتراض لتغطية النفقات الجارية (Jordan Times, 2025). حتى بعد استبعاد ديون صندوق الضمان الاجتماعي، تبقى مستويات الدين مرتفعة بشكل يفرض ضغوطاً مستمرة على قدرة الدولة على تمويل التنمية وتحقيق النمو المستدام. وفي هذا الإطار، تعمل الرؤية الاقتصادية الأردنية 2033 على وضع إصلاح هيكلي يربط الدين بالنمو والفرص الاقتصادية المستدامة، مع التركيز على القطاعات الإنتاجية وتعزيز فرص العمل.
الدين العام والضغوط الاقتصادية:
الأرقام المالية لا تعكس فقط الواقع الاقتصادي، بل تحمل أيضًا أبعادًا نفسية واجتماعية. فالاعتماد المستمر على الدين لسد العجز الجاري يقلل من قدرة الدولة على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والتنموية، مما يولد شعورًا دائمًا بالضغط والقلق بين المواطنين. ويشير التقرير المالي لعام 2024 إلى أن 60% من الموازنة العامة تُخصص للرواتب وخدمة الدين، في حين لا يتجاوز الإنفاق التنموي 15% فقط (EU Monitor, 2024). هذه الهيكلية المالية تعكس خللاً بنيويًا يجعل الاقتصاد هشًا أمام الصدمات ويحد من فرص النمو المستدام.
النمو الاقتصادي وسوق العمل
النمو الاقتصادي الأردني لا يتجاوز 2.7% في الربع الأول من 2025، وهو معدل غير كافٍ لاستيعاب تزايد القوى العاملة (Arab News, 2025). في المقابل، تشير التقديرات إلى أن البطالة بين الشباب تقارب 22%، وهو ما يخلق ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا متصاعدًا على فئة واسعة من المواطنين (Mauritius Trade, 2025). هذه الفجوة بين النمو المحدود وارتفاع البطالة تُضعف الثقة في السياسات الاقتصادية وتجعل المواطنين أكثر توتراً تجاه المستقبل.
التجارب الإقليمية:
التحديات المالية التي تواجه الأردن ليست فريدة، إذ تعاني معظم الدول العربية من مشاكل مشابهة. في مصر، تستحوذ خدمة الدين على أكثر من 50% من الإنفاق الحكومي مع انخفاض نسبة الإنفاق التنموي، بينما في تونس تتجاوز رواتب القطاع العام وخدمة الدين 60% من الموازنة، مع تراجع الإنفاق التنموي إلى حوالي 15%. أما لبنان، فقد شهد تجاوز الدين العام 150% من الناتج المحلي قبل الأزمة المالية، ما أدى إلى انهيارات مالية واجتماعية متلاحقة. وفي المقابل، نجحت دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر في خفض نسب الدين إلى ما دون 40% من الناتج المحلي، وذلك من خلال سياسات مالية منضبطة، وتنويع اقتصادي، واستثمارات طويلة الأجل، ما يوضح أهمية الكفاءة المؤسسية والتخطيط الاستراتيجي.
الأبعاد النفسية والاقتصادية:
الديون العامة ليست مجرد أرقام؛ فهي تمتد لتؤثر في البنية النفسية والاجتماعية للمواطنين. القلق الاقتصادي يعكس عدم اليقين بشأن المستقبل المالي وفرص العمل، ويضعف قدرة الأفراد على التخطيط الأسري والشخصي، ويقوض الثقة في المؤسسات الاقتصادية والإدارية. ومن هنا، يصبح من الضروري أن تركز الإصلاحات المالية على إعادة توجيه الإنفاق نحو المشاريع الإنتاجية والتنموية، مع تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان تأثير ملموس على الحياة اليومية للمواطنين وتقليل الضغوط النفسية.

المديونية تمثل تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا في الوقت ذاته. في الأردن، يمكن تحويل الدين العام من عبء مالي إلى رافعة تنموية إذا رافقته سياسات إصلاحية دقيقة تستهدف الاقتصاد الإنتاجي والإنفاق التنموي والشفافية المؤسسية. ويُظهر نجاح هذه الاستراتيجية أهمية كفاءة الإدارة، وضبط الإنفاق، وتنمية قاعدة الإنتاجية، بما يتيح مستقبلًا اقتصاديًا مستدامًا ويخفف الضغط النفسي والاجتماعي على المواطنين. في هذا السياق، تهدف الرؤية الاقتصادية الأردنية 2033 إلى إعادة هيكلة الاقتصاد بما يوازن بين الاستدامة المالية وتعزيز القطاعات الإنتاجية وتوليد فرص عمل مستدامة، وهو ما يمثل إطارًا عمليًا للإصلاح الشامل والمدروس نحو النمو والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويبقى السؤال الأهم، هل سيستطيع الأردن أن يحوّل ضغط الدين العام إلى دفعة حقيقية نحو الاستقرار والرخاء، أم سيظل التحدي معلقًا فوق مستقبل أجياله؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد