اينَ رحلتْ أمّي؟

mainThumb

17-08-2020 02:49 AM

كل شيء أصبح تافهاً يا أُمي، كل المواعيد الفائتة.. القطارات الراحلة.. الصحُف المبلّلة.. الأواني النظيفة.. القمصان المُتسخة.. الراياتْ المُرتفعة.. الطائرات المُحلّقة.. حقائب السّفر.. روابط الأُخوّة.. العائلات المُتماسكة.. الفقراء المُكابرون.. الشوارع القديمة.. البيوت العريقة.. الشاشات المُلونة.. الهواتف الذكيّة.. الخُزعبلات المبتذلة.. الاشاعات الحيوية.. حتى الرسائل الغراميّة، كُلها أصبحت رماداً، مُذ رحلتِ والعشب صارَ أصفرا.. شجر الزيتون بلا أوراق.. الشرفة يُغطيها الغبار.. والمساجد فاضت من الفراغ..! صراخك المُخيف أحسستُ بلذته! الحرمان الذي شققتِ به عمري أتمنى إعادته.. العمل الذي به أرهقتني ليته يرجِع! أبحثُ عنكِ آناء الليلِ وأطرافَ النّهار.. لا أجدك، مُختبئة وسط التُراب، غطيتِ نفسكِ بحفنة مُتغطرسة من الطين والدموع، ونَسيتنيْ!


بماذا سأُخبئ مشاعري الآيلة للسقوط؟! كالثكلى بقيتُ وحدي ولا سبيل للوقوف.. سأخرجُ من عِظامي حتماً، ثمّ أصحوا.. اقنع عقلي بالتجاوز وأحطيكِ بي قلباً لا جسداً وأسيرُ طريقي مُغمضاً لا مُبصراً، أُثابر.. أُقاوم.. وأبدأ، يوم.. اثنان.. أربعة.. أين رحلت أمي؟! تركتني بلا قُبلة.. تركتني قبل أن تمسح بكفّيها العظيمين على رأسي.. قبلَ أن ترى ظلي كيف ازداد مع عمري.. قبل أن تغفوا في انتظاري.. قبل أن تراني كففت عن السيرِ في نومي.. قبل أن أكبُر.. قبل أن تنعتني بالغريب لآخر مرّة كأول مرة، حتى أنها تركت الرصيف مُتّسخ والطعام متجمد على الطاولة بلا حرَاك..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد