مُوشَّحاتٌ إنتخابية

mainThumb

05-09-2020 11:58 PM

تُطرَح التساؤلات بكثرة في هذه الآونة التي تتصاعد فيها وتيرة الاستعداد لإعلان الترشُّح رسمياً لانتخابات المجلس النيابي التاسع عشر ، وتتردّدُ كثيرٌ من الأسماء هنا وهناك ، إلا أنّ الأمر لم يُحسَمْ بعد لدى الكثيرين ؛ وقد يُرَدُّ ذلك إلى اضطرابٍ الإجماع لدى لقواعد الانتخابية ، أو التردُّد الذّاتي لدى البعض ، وربَّما يكون نوعاً من الذّكاء السياسي والاجتماعي في استقراء الواقع العام قبل اتخاذ قرار الترشُّح الرسمي ؛ وفي جميع الأحوال سنقفَ على بعض مفاصل هذا الجوّ الساخن في هذا التوقيت السَّاخن ، ومنها :


أولاً : التأهُّـب والتَّرقُّـب


مع تسارُعِ عَجَلةِ الأيام ، وبدء تقاربها من لحظة التَّرشُّح الرسمي ، فإنّ الطّابع العام الذي يسودُ التحركات المجتمعية في كافة الأنحاء ، هو حالة التأهُّـب والتَّرقُّـب التي تزداد حِـدَّتُها كلما اقتربت السّاعة من لحظة الصِّفر ، هذه المرحلة التكتيكيّة التي تسبق الترشَّح تكادُ تكون هي الأهم لمن يُديرها ويتعاطى معها بمنطقٍ سليمٍ وموضوعيَّة تفصلُ بين صدق الحقيقة ووَهمِ الخيال ، ولها أن تُنَقِّي ساحة المجتمع لتَميز غَثَّـهُ مِن سَمينِه ، وأن تَتَنبأ من خلال رؤية مُدركة ومتميِّزةٍ لحجم الثِّقــل الشعبي مكانه وفئته وداعميه والمستفيد منه المرشَّح ؛ وبالتالي تضعُ خطوطاً ومعالِمَ فارقة جداً لمن يرغب بالتَّرشُّح ، مِن شأنها أن تكون بداية النهاية أو نهاية البداية ؛ لهذا نجد العديد ممن يرغبون بالتَّرشح يلوذون بالصمت حتى اللحظة ، ولم يكشفْ أحدهم عن نية الترشُّح ، مما أراه يقع في إطار التخطيط بعيد الأُفق.


ثانياً : فَـنْ إدارة أدوات الترشُّح


لا شكَّ أنَّ وسائلَ التواصل الاجتماعي هي الأداة الفاعلة والمستخدمة بكثافة في مجال استكشاف وضع وواقع القواعد الانتخابية ، ومعرفة التَّوجُّه والاتجاه العام لها أو تخمينه على الأقل ، ورصد ردود الأفعال المؤيِّدة والرافضة لمن يرغب التَّرشَّح من قبل كلِّ دائرة إنتخابية ؛ ومن جانب آخر لا ننسى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي لا تعطي استدلالاً علمياً دقيقاَ يُصَنِّف آراء وميول الناس بشكلٍ مطلق ، فهي كأداة يرتادها من يملك الحق بالتصويت ومن لا يملكه ، ويعبث بها الصغير والكبير والجاهل والمتعلم ، وصاحب الكلمة وفاقدها ، ويندَسُّ بين حساباتها مطلقو الإشاعة ومُسَوِّقوها ، لذلك لا بدّ من تحرِّي الأسلوب العلمي التحليلي في تكوين النتيجة التي تدفع الشَّخص للمضي قُـدُماً أو التَّراجع عن مساره لصالح من هو أقوى وأجدر بذلك ، لأن النتائج قد تكون مظللة ، فتكون العاقبة وخيمـة.


ثالثاً : المَلاءة الفكرية والعلمية


يُعتبر حقُّ الترشُّح للانتخابات تَحَـدِّياً مع النفس أولاً ، ثم مع المنافِس أو المنافسين ثانياً ، من خلال المجهر الداخلي للإنسان ، الذي يضعهُ في خلوةٍ مع نفسه ، ليرى بوضوحٍ وشفافية مدى ما يمتلك من فكرٍ وعلمٍ وقدرةٍ وحضور مجتمعي ، ويرسمُ له صورته من غير تزييف ولا ضَبابية ، ويُلقي عليه خطاب العقل للعقل مِن غير وساطةٍ ولا وسيط ، كما أنه يضعه في صورة أي نقصٍ لديه أو اعوجاج قد يشكل عقبةً كبرى في طريق ترشُّحه ؛ فإن صَدَق مع نفسه واحتكم إليها بحياديةٍ وعمق ، حينها يستطيع أن يتَّخذ قراره المناسب للترشُّح مِنْ عدمه.


أما رُكوب موجة الانتخابات النيابية بتجاهلِ هذا الإطار أو الخروج عنه والاعتماد على الحظ ، فإنّه يُعَــدُّ ضرباً من السَّذاجة والجنون ، وقد يكون المرشَّح هنا هو أول من يُشعل النارَ في ثوبه ؛ ولا أعتقدُ أنّي في هذا أُخالفُ العالم الكبير توماس أديسون الذي قال : نقطة ضعفنا الكبرى هي في الاستسلام ، فالطريق المحددة للنجاح تكون بإعادة المحاولة بعد كل فشل ؛ فالمحاولة هنا تفترض توفر الجانب العلمي والفكري والكفاءة لمن يرغب بها ، الذي هو الزاد الحقيقي للمواصلة والاستمرار ، وليست المحاولة لمن يفتقرُ إلى تلك الجوانب.


رابعاً : الانتقال من العشيرة إلى العُربان


تَسودُ في مجتمعاتنا حالةٌ من تشتُّتِ الآراء وتباعد وجهات النظر ، واتجاه البعض للإحجام عن المشاركة في العملية الانتخابية ، وعدم الاهتمام بها والجدية في تناولها ، ربما لقناعتهم بعدم جدوى المجالس السابقة ، وفقدانهم الثقة بها وبممثليهم ، والتي أسّسَت لحالة من العزوف عن هذا الشأن ؛ وبالمقابل تجد إقبالاً متزايداً في أوساط المناطق والأحياء على طرح أسماء ووجوه جديدة ، مما يعد ظاهرةً حسنة تغيّر في مفهوم الناس ثقافة احتكار التمثيل الانتخابي من قبل البعض لسنينَ عدّة ؛ ولكن رغم ذلك لا تزالُ النزعة القَبليَّة والمناطقية تُسيطر على فكر الناس وتوجهاتهم.


المُلفِتُ للنّظر أنّ المجتمعات تنتقلُ تدريجياً من مفهوم العشيرة الجامعة إلى مفهوم العربان ، والذي هو مكوِّن أساسي للعشيرة ، حتى أصبح الاجماع العشائري على المرشَّح يذوب شيئاً فشيئاً ليحل محلّه هذا المفهوم ؛ فتجد في العشيرة الواحدة أكثر من مرشَّح تحت مسميات مرشَّح عرب كذا و مرشح عرب كذا ، وهذا كفيل أن يُفَتّتَ اللحمة الجامعة لمجتمعاتنا ويُفَسِّخها ، ويخلقَ التنافر السلبي بين أبنائها ، ويُفكِّكَها ويُضعِفَ من دورها وتأثيرها في الحياة العامة ؛ ولا أستغربُ أبداً أن تضيق حدود القواعد الانتخابية لتؤول إلى الأسرة فقط في السنوات القادمة.


خامساً : ثقافة المنافسة النزيهة


يغيبُ إلى حـدٍّ ملحوظ مفهوم المنافسة الإيجابية الشّريفة بين المرشَّحين ، التي تعتمد على معايير مختلفة كالكفاءة والشخصية ، والإلمام ببعض جوانب السياسة والإدارة والتنمية ، والمخزون الفكري والثقافي وسعة الإطلاع ، والقدرة على وضع الخطط التطويرية للمجتمعات والأفراد والمؤسسات ، إضافة إلى الهيكل العام لدستور الدولة وقانونها وأنظمتها ؛ كما وتتدخّل عوامل أخرى لتحديد قوة المرشَّح وحجم فرصة الفوز ، والتي يفرضُ المجتمع جزءاً منها ، ومن امثلة ذلك : المناصب والوظائف التي شغلها الشخص ، ووضعه الاجتماعي والسلوكي وسيرته الحياتية في المجتمع ، والمستوى المعيشي له ، ومدى تواصله وقربه من الناس ، .. وغيرها.


في الحالتين إذا استند التنافس إلى هذه المعايير ، فحينها يبقى الصوت للعقل والضمير ، ليحدِّدَ الأفضل ؛ إلا أنّ ما يُحوّل المنافسة إلى عراكٍ واصطدامٍ وتضاد ، هو الحملات التي يشنَّها البعض في الخفاء ضد مرشَّحٍ ما بغرضِ التشويه واغتيال الشخصية ، من خلال الإشاعات المسيئة ، والاحتكام إلى مواقفٍ فردية قديمة لا تُذكر ، أو افتعال جوٍّ من التشويش العبثي عليه في أوساط المجتمع ، وممارسة التَّنَمُّر الالكتروني ضدّ مرشَّحٍ ما بالسخرية والتهكم من قبل أشخاص وهميين ، يترك أثراً كبيراً في قبوله كممثل شعب أو في نصيبه بالفوز ، خاصة أن مجتمعاتنا تمتاز بميزة غريبة هي سرعة التَّحول السلبي أو الايجابي المُفاجيء دون التعمق في حقيقة الأمور.


سادساً : المُنـاورات الاجتماعية


في مرحلة الترشُّح كثيراً ما تجـدْ زُمرةً أو أفراداً من أبناء المنطقة نفسها يشكلون لاعبينَ حقيقييّن في التجميع والفُرقة ، وغالباً ما يكونُ هؤلاء على الجبهة الأخرى ، يعملون على تعويضِ تجربَتهم بالترشيح ، التي يرونها غير مجدية ولا مضمونة في ظل عدم تقبُّلهم من الناس ؛ فيستخدمون تنَفُّذهم الاجتماعي أو الوظيفي أو المالي ، من خلال الزَجِّ بأشخاصٍ آخرين في هذه التجربة ، وتزيين الأجواء لهم ، بحيث يُمثّلون الواجهة الدّاعمة لهم مالياً ومعنوياً ، بهدف تشتيت الأصوات ، واختراق القاعدة الكبرى العشيرة ، وتقليل فرصة الفوز للآخرين.


يعمل هؤلاء الرَجعيون على قاعدة يا لَعّيب يا خَرّيب ، والتي وإن سَـدَّت ما يعانون من نقصٍ وغُرور ، وأرضَت ما لديهم من هَوَس المنصب ، فإنّها ظاهرة وضيعة ومسيئة لهم أولاً ، وتخرج عن المسار القيمي لمجتمعاتنا وإنسانيتنا ؛ وما دور الناسِ هُنا إلا وقفة تأمليّة مستفيضة واعية عند لحظة الإدلاء بالصوت ، لأن الصوت مسؤولية يُحاسبُ عليها الإنسانُ أمامَ ربّه إذا منحَهُ لِمَن لا يستحق.


يُفترض أن يعلم الجميع أن الانتخابات بشكلٍ عام يجب أن تكون عاملاً من عوامل لَمِّ الشَّمل ووحدة الصف ، الذي يشد أزر الوطن ويحمي مؤسساته ، من خلال الاجماع على أشخاصٍ ثقاتٍ يُنعتون بالنزاهة ونظافة اليد وصدق الضّمير ؛ لذا علينا أن نستيقظ من سُباتنا الطويل ، ونُعلنُ بشجاعةٍ وجرأة صوتنا دون مواربة أو مجاملةٍ أو نِفاق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد