اليرموكُ إلى أين ؟

mainThumb

17-08-2021 03:15 PM

 بتعيين الدُكتور إسلام المساد رئيسًا لِجامعةِ اليرموك، يكون الرئيسُ الرابعُ خِلال مُدة زمنية أقَل من ستِ سنواتٍ ؛لكنّ مُعضِلَةُ الجامعةِ لا تتمَثلُ فقط في عدمِ استقرارِ الرؤساءِ، أو إكمالِ مُدةَ الرِئاسة (أربعُ سنواتٍ) في حالِ عَدم التجديد لِدورةٍ ثانيةٍ ؛وإنَما  في غيابِ خَريطةُ طريقٍ واضِحَةَ المَعالمِ تسيرُ الجامعةُ عَليها بِشَكلٍ مُؤسسيٍ ومُستَمرٍ لا يقوضها  تَغيَّرَ الرئيس ونُوابهِ والعُمدَاء وغيرهم .إذ ينبَغي أن تسود الثقة و تَستمِرَ المسيرةُ، وتَنقُلَ الجامِعةَ من حالٍ إلى آخَرَ أفضَلَ مِنه وبشَكلٍ ديناميكي .
 
بَعيدًا عن أيَّةِ مُجاملاتٍ أقولُ : أنَّ اليرموكَ  بكل ثقلها التاريخي  اصبحت اليَوم في الدَركِ الأَسفَلِ إذا ما قورِنَت بما كانت عليهِ في الثمانينياتِ، وحتّى نهاية التسعينيات من القَرنِ الماضي، أو قارَنا وضعَها اليومَ بِوضعِ الجامعة التي وُلِدَت من رَحِمها ألا وهي" جامعة العلوم والتكنولوجيا"! حتّى جامعةُ الأميرة سمية الحَديثَةَ النَشأَةِ تُؤَكِد أَنّ اليرموك اليوم ليست كما الأمس !
 
 فعَلى الصَعيد المالي، تَنوءُ اليرموكُ اليَوم تحتَ عِبْء مَديونِية تَجاوَزت الخَمسين مِليون دينارٍ أُردني، وصُندوقُ استثمارٍ تَراجعَ رأسُمالهِ من 55 ما يقارب  مِليون دينار  قبل  عقد ونصف إلى أَقلَ من النِصف !ولا يَعلَمُ أَحَدٌ كيفَ تضاعَفت المَديونية خِلالَ السَنواتِ القَليلةِ الماضيةِ من ما يقارب 27 الى اكثر من 50  ؟ أو أينَ تَبخَّرَت مَوجودات صُندوق الاستثمار، والتي كانَ ينبغي استثمارُها بِحِكمةٍ وحِنكةٍ بالغَتين لِزِيادة رأسَ المالِ من خِلال جَني الأرباح . ولو كُنتُ مكانَ رئيس الجامعةِ وتَجسيدًا  لِلشفافيةِ والنَزاهَةِ ؛ لاستَقدَمتُ مُدَققًا ماليًا خارجيا لِإعدادِ تَقرير مالي عن وضعِ الجامعة ،وأَطلَعتُ المَعنيينَ أو الرأيَ العامِ على حَقيقَةِ الوَضع مُخاطِبًا إياهُم : بِأنَّ هذا ما وَجَدتُ ،وعَليكُم القِيامَ بِمُحاسَبتي بعدَ مُضي سنة أو سنتين ،أو أَكثرَ في ضوء ما سَأُقَدِم على هذا الصَعيد، وسَيكونُ هذا جُزءً من تَقييمِ مَجلِس الأُمَناء للرئيس خِلالَ تسلُمهِ للمَسؤوليةِ ولا احد بعدها يستطيع ان يمس مصداقية او نزاهة الرئيس او فريقه .
  أَما  على الصَعيدُ الأكاديميُ واّلذي يُمَثِلُ حجَر الزاويّة في الشَأنِ الجامعي؛ فقد   تراجع مستوى التعليم وخدمة المجتمع والبحث العلمي  في الجامعة،  وتفاقم العديد من المشاكل والأزمات داخلها ، تراجعَ الاهتِمامُ بالبحثِ العِلمي ، كَما تراجعَ تَصنيفُ الجامعةَ أيضًا ! وهذا التراجع يُنذِرُ بآثارٍ خطيرةٍ في المُستقبلِ إِن لَم يَتم تَدارُكَه ، فتداعياته ليست هينة  ! كُنتُ قد أَشَرتُ إلى هذا الأمر في مَقالٍ سابقٍ بِعنوان : "أزمَةُ البَحثِ العِلمي في جامعةِ اليَرموك ؛أَم أَزمَةُ الجامعةِ " ؟ بإِمكانِكُم  الاطّلاعَ عليه من خِلالِ الرابط المُرفَقِ  .
تحتَلُ جامِعةَ اليرموك المَرتبةَ الثانية من حيثِ الأقدَميةِ بينَ الجامِعات الأردنية ،  وذات زمن مضى كانت اليرموك في مقدمة الركب ليس على المستوى الوطني ولكن على مستوى الشرق الاوسط ، وبَعدَ أَقَل من خَمسِ سَنواتٍ سَتحتَفلُ بالعيدِ الخَمسين لِتأسيسها ؛ فهَل سَتكون بعدَ خَمسِ سَنواتٍ أفضَلَ بِكثيرٍ مِما هيَ عليهِ اليَوم ،أَم أَنَ الجامعةَ مُستَهدَفةٌ بالفِعلِ  ومنذ استباحتها عام 1986وسَتشهَدُ المَزيدَ من التَراجُعِ والتَدهوُرِ  في قادم الايام ؟ اليرموك اليوم على مفترق طرق  والكرة الان في مرمى الجميع ، بِصراحة تَتطَلعُ الأغلبِيةُ الساحِقةُ من أُسرَةِ الجامعة إلى الرَئيسِ الجَديدِ وفريقه القادم ، ومِلؤُها الأَملُ بِإِحداثِ التَغيير المَنشود ،والإصلاح المَطلوب ، ومُعالَجةَ الخَللَ بالقَضاءِ على مُسَبِباتهِ لا بالوُقوفِ على أسبابهِ فَحسب ! فالتَشخيصُ الصائِبُ لِلداءِ يَعني صَرفَ الدواء المُناسِب له والكفيل بالقَضاءِ عليهِ كُلِيًا دونَ الحاجةِ لِإِبرَةٍ تسكينيّةٍ  تُخَدِرُ الألمَ  لِسُويعاتٍ معدودة ؛ لِيستفيقَ الوجعُ من جديدٍ بعدَ زوال تأثيرها! لِذا تطمَحُ أسرةُ اليرموك باستِئصالٍ واجتثاثٍ جذريٍ لِكافةِ المُسَبِبات لِتزولَ مَعها تِلقائِيًا كُلُ الأسباب بِما يُعَزز فُرَصَ العُبورِ بالجامِعةِ إلى شاطئ الأمانِ.
 نعلمُ أنّ المَهمةَ صَعبةٌ ومُعقدّةٌ ؛ ولكنّهَا ليست مُستحيلةً إذا صَدُقَت النَوايا و تَوفَرّت الإرادةُ الجادةُ، وهذا يتطلَب عملًا جَماعيًا مًنظّمًا بحيث تتضافَرُ الجُهود والخِبرات، ويتم العملُ بانسِجامٍ تامٍ وبعيدًا عن أيّةِ اعتباراتٍ خاصةٍ أو أَجِنداتٍ مَخفِيَة من أجلِ وَقف حالة التَداعي والتَراجُع التي تعيشُها الجامعةُ على كافةِ الصُعد، و تنفيذَ خطة مُتكاملة تُعيدُ لليرموكِ مكانَتها وأَلَقَها ،وتُجَسّد آمالَ وطُموحاتَ العاملين فيها من رِفعَةٍ وتَقدُمٍ وازدِهارٍ، سَعيًا لإرساءِ دعائِم دولة القانون والمؤسسات التي يسودُها العَدلُ والنزاهةُ والشفافيةُ و احترامُ الكَرامة الإنسانيّة ؛ فالجامِعات هي العَمودُ الفِقريُ في بناءِ الأوطان والمجتمعاتِ ونَهضَتُها . 
وأخيرًا، إِننَا نُعلِق آمالًا كبيرةً على الرئيس الجديد، في ضوء ما سَمعِنا عنه، فإن ما يمتَلكه من تجربةٍ مُتنوعةٍ وشبكةِ علاقاتٍ قويةٍ  ومُتشَعبةٍ، فإنّهُ أمامَ فُرصة تاريخية في إحداث التغييرات المَنشودة .  قريبًا جدًا سَتطفو الجِراحُ وسَيكتشِفُ الرئيسُ  أَن كُلَ شئٍ  في الجامعةِ يحتاجُ إلى إصلاحٍ فَوريٍ، لأنّ التَأخُرَ والتَرَدُدَ في العمليّة الإصلاحيّة ؛سَيترتبُ عليهِ كُلفةٌ باهِضةٌ ليسَ في مَقدورِ الجامعة تَحَمُلها ؛كيفَ لا ؟ وهي تَعكِسُ كَمًا لايُعَدُ ولا يُحصى من الأخطاءِ الكبيرةِ والتَراكُمِيةِ !
 حينَها لنْ يكونَ مصيَرهُ مُختَلِفًا عن سابِقيهِ، وتَستمِرُ المَسيرةُ من سيءٍ إلى أَسوَءٍ لا سمحَ الله .نَعلَمُ عِلمَ اليَقينِ بِأنَّ المسؤولِيةَ كبيرةٌ والتَحدِياتُ جِسامٌ، لكنّنا نُؤمُنُ بِأنّ المُستَحيلَ لا وُجودَ له ؛فَما هو إلا مُصطلَحٌ أوجَدهُ الإنسانُ لِيُعَبِرَ فيهِ عن عجزهِ وفَشلهِ في إدارةِ الأُمور ،وتَجَنُبِ الأزمات والتي إن حدثت سَيكونُ قادِرًا على التَعامُلِ معها واحتِواءها بعَقلانيّةٍ وحكمةٍ بالغةٍ .
 
  نَأمَلُ أن تَجِدَ هذه الكلماتُ آذانًا صاغِيةً، وعُقولًا واعيَةً بِحجمِ الأزَمة التي  تُعاني مِنها الجامِعة، وكُنا قد تَطرقنا لِبعضِها في السِياقِ السابِق من هذا المَقال .وأن تَتوفرَ الإرادةُ الحقيقيةُ والقُدرات الأكيدةُ عِندَ القِيادةِ ؛ لأنّها تستطيعُ إحداثَ الكَثير وخُصوصًا عِندما تَستنِدُ إلى نَهجٍ يَقوم على المُبادرة والسُرعةِ والشفافيةِ والنَزاهةِ ،بالإضافةِ إلى المُصارَحةِ بعيدًا عن المُجاملاتِ أو التَتسوياتِ على حسابِ الجامعة ومصلَحتها . قبلَ فَواتِ الأوان ثَمةَ ضَرورة للتفكيرِ بِهمَةٍ وَروِيَةٍ ، و خارِجَ الصُندوقِ لإيجاد إجاباتٍ حقيقيةٍ و واقِعيةٍ   للسؤالِ المَصيري الّذي يطرحَهُ هذا المَقالُ والمَوسومُ بهِ عِنوانًا :
 
_ اليرموكُ إلى أين ؟ وهذا بَعضٌ مِن  الكَلام !
 
 والله المستعان


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد