قصاصة من مذكرات مهاجر غاضبِ .. د.انتصار الزيود

mainThumb

17-09-2019 10:51 PM

غادرت وطني مكسوراً تتلاطمني أمواج التهميش ورياح عاتية تثور في مكامن الفكر حول طريقي ومستقبلي وأحلامي التي تكسرت على أرض الواقع، والأبواب الموصودة في كل مكان، كلما طرقت باباً لأحظى بفرصة أحقق فيها حلمي، رموا بوجهي أوراقي المتكدسة وقالوا لا وظائف ولا شواغر، وفي كل مكان أذهب إليه يناديني أحدهم جانباً ويقول: إذا لم تكن معك واسطة من العبث أن تدخل أي مكان، فأعود أدراجي مكسوراً يائساً لظلمة المكان وتعاثير الزمان، والأفكار تجول في ذهني كهدير شلال يتساقط من أعالي الجبال لا يمكن ايقافه أو السيطرة عليه.
 
في رحلة بحثي سقطت بيدي قصاصة من جريدة عليها اعلان لوظيفة ولكنها خارج الوطن، فقلت في نفسي: سأتقدم ماذا أخسر، فخسارة عمري وضياع حلمي لا توجد بعدها خسارة، فوجدت سفري قريباً وخروجي حتمياً لا رجعة فيه لأنه خياري الوحيد، وبدأت رحلة الغربة وسافرت بالفعل لبلداً آخر، كانت ساعاتي الأولى فيه كصورة يوم القيامة في مخيلتي، مضت ثلاثة أيام والدمعة أحبسها كي لا تسقط وأسقط منهاراً في عالمي الجديد الذي لا أعرف تفاصيله، وهل سأنجح وأتعايش معه، أم سافر معي الفشل على نفس الطائرة من أرض الوطن وسيصبح رفيقي هناك، ولا أخفي عليكم حجم الترحيب بي في ذلك الوطن الجديد، وكيف حللت ضيفاً مكرماً وتجاوز كرمهم الثلاثة أيام وثلث المعروفة للضيف وامتدت ضيافتي لسنوات، وأمضيت أعواماً وأنا أعطي كل ما لدي من علم وخبرات وأتنقل على درجات سلم النجاح كالطائر، وهم شغوفين بما لدي من خبرات وأفكار ويهتمون بكل صغيرة وكبيرة أقولها، ويتلقفون كل فكرة أقترحها ويُسخرون أمامي كل الصعاب لكي أنجح وينجحون، يا لهذا العالم الذي كنت أفتقده، أين كنت عن هذا كله، فكل الأبواب مفتوحة أمامي ولم أعد أخشى الأبواب كما في السابق، وأنا أبني مجداً وأحصد نجاحاً تلو الآخر في بلد غير بلدي، ولكنني طوال فترة غربتي لم أستطع أن أتناسى ذلك الألم الممزوج بالحسرة الذي لا يهدأ ضجيجه في صدري، وأنا أترك في كل مكان اثراً طيباً والجميع يشير إلي بالبنان بأنني من بلد تفوح منها رائحة العلم والثقافة مثل رائحة العطر الباريسي، وأنني من بلد فيها من العلم ما يؤهل الأمة العربية أن تكون في مقدمة الدول المتحضرة، وكانت تطربني تلك الكلمات، وفي نفس الوقت تؤلمني الحسرة في صدري عندما أتذكر أنني منعت أن أدق في وطني مسمار ونفيت قسراً بسبب قرارات وخطط عبثية جعلت من أحلام الشباب المشروعة ضرباً من الجِنون، ونَصبوا أنفسهم قضاة وجلادين بنفس الوقت، ونسفوا كل ما في جعبة الشباب من أفكار في بئر عميقة، وعلقوا لأحلامهم المشانق وأعدموها في جلسة نوقشت فيها خطط مستقبلية ونهضوية لم تتجاوز سقف الغرف الفارهة التي احتسوا فيها نخب إنجازات من ورق
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد