"جرائم الشرف" وجدول الأولويات الوطنية!

mainThumb

08-09-2009 12:00 AM

د. خالد سليمان

في سياق اشتغالي على دراسة أعدها حول "جرائم الشرف"، وذلك لصالح إحدى المؤسسات الوطنية التي أعمل مستشاراً لها، بدأ بعض الأفكار المؤرقة بالتقاطر على رأسي! فقد اكتشفت أن عدد ضحايا تلك الجرائم ـ التي أؤكد أنها جرائم جبانة ومنكرة في المجمل ـ لم يتجاوز (100) ضحية على امتداد السنوات العشر الأخيرة! في المقابل، تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد ضحايا حوادث السير في الأردن لعام 2008 وحده قد بلغ (389) ضحية!
تشير تلك الأرقام بوضوح إلى أن عدد الذين قضوا نحبهم بسبب التجاوزات على الإسفلت في سنة واحدة يفوق أعداد الذين اغتيلوا بذريعة الدفاع عن الشرف في عشر سنوات قرابة أربعة أضعاف! أمام تلك الأرقام الصادمة، أظن أن هناك تساؤلات مشروعة تطرح نفسها بإصرار: فلماذا تقوم الدنيا ولا تقعد في مدائن الغرب حزناً واستنكاراً وشجباً لسقوط مائة ضحية طوال عقد كامل، بينما لا نجدها تطرف لوقوع المئات من الضحايا كل عام فريسة لدواليب الحافلات!؟ ولماذا تتدافع مؤسسات الغرب بمستشاريها وباحثيها وموازناتها الضخمة السخية على أبوابنا لإغرائنا بإبقاء ملف قضية "جرائم الشرف" مفتوحاً وموضعاً للنقاش العاصف، بينما لا نكاد نجد مؤسسة غربية واحدة تبدي ولو الأسف المجامل لرحيل المئات من أبنائنا بفعل حوادث السير!؟
تجبرك مثل تلك التساؤلات على أن تبدأ بالشك، وعلى أن تستحضر مفردات "نظرية المؤامرة" للاستعانة بها في التحليل! فالموت هو الموت فيما أظن، فلماذا نهتم بموت إنسان ما هنا، ونجعل من موته حدثاً استثنائياً جديراً بأن تنقلب له الدنيا، وأن تنعقد له المؤتمرات والاجتماعات وحلقات النقاش وورش العمل... بينما لا نحرك في الوقت نفسه ساكناً لموت العشرات هناك!؟
لا أقول ذلك على سبيل الانتقاص من أهمية مشكلة "جرائم الشرف"، فهي مشكلة حقيقية تعكس اختلالات عميقة وجدية في بنية مجتمعنا، وتستحق الاهتمام البحثي والمجتمعي بلا شك، فالقتلة في كثير من الأحيان ليسو فوق مستوى الشبهات، وليسو بأكثر أخلاقية من الضحايا المتهمة بالإساءة إلى الشرف، بل إن كثيراً منهم ينطلق في تنفيذ الجريمة من دوافع حمقاء أو انتهازية، كالخوف من كلام الناس والخضوع لضغوطهم وشائعاتهم، وربما الرغبة في الخلاص من المرأة للسطو على حقوقها...الخ.
على أية حال لن أذهب بعيداً في توظيف أدوات "نظرية المؤامرة"، لكنني سأكتفي بالقول إننا نعاني من تخبط حقيقي في تحديد أولوياتنا، ويبدو أننا نسمح لأطراف أجنبية، لا ندقق كثيراً أو قليلاً في أجنداتها المضمرة، بأن تحدد لنا تلك الأولويات، فنحدق فيما تنظر إليه تلك الأطراف، طمعاً في نيل دعمها، بينما نشيح بأبصارنا عن كثير من المشكلات الأكثر أهمية وإلحاحاً. وهذا التوجه الجشع المفتقر إلى الحكمة سيجعلنا نستفيق عاجلاً أم آجلاً على مشكلات هائلة تضخمت إلى درجة الانفجار ونحن نتحايل للتعامي والتغافل عنها، لمجرد أنها، وببساطة شديدة، لم تكن على قائمة المشكلات المرشحة للاهتمام حسب أولويات جهات لا أظنها قلقةً جدياً على مصالحنا! فمتى نعيد النظر في أولوياتنا الوطنية الحقيقية!؟

sulimankhy@gmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد