جامعة الزوجات العربية

mainThumb

08-08-2009 12:00 AM

وليد معابرة / جامعة آل البيت
كنت أسير في أحد الشوارع الأعجمية ، بعد أن خرجت من تلك المحكمة السوداء ، أمشي وفي فكري المستقيم صرير ، بعدما رأيت الجهل في الناس قد فشا وجثا على ركبتيه البعير ... ، أُشعلُ سيجارة تلو الأخرى ليصدر من أعماق صدري الصفير ، حتى نفذت كل السجائر مني وأحرقتُ عود الثقاب الأخير ، فقد تلاشت كل السجائر قهراً ؛ وأعمت عيوناً تعامت عن العدل وهو منير ، وتمنيت لو كان الموت رجلاً يأخذني بعيداً عن زمن رماني في قبر لا أعرف ماذا أجيب فيه إذا جاءني منكر ونكير.
كنت خارجاً من محكمة كان المتهم فيها رجلاً يحتكم إلى القاضي وينوه عن شكوته من نسائه اللواتي أجبرنه على فعل شيء لم يتسنّ لي فهمه ، عندما قال : بأنه متزوج من عدة نساء عربيات مسلمات ، وكنّا يسكنّ في بيت واحد ؛ داخل سور واحد ؛ وتحت قبة تشريع عادلة ؛ من سنوات ليست بقليلة ، فأخذ يتحدث بشيء من الحزن والألم على ما قد أصابه ... ، حيث كانت نساؤه ينجبن له الأجيال التي سيواجه بها التحديات التي شارفت على إهلاكه من أثر أمراض تفشت في الأسر التي كانت تجاوره ، فغدا فيها الباطل ريحاً يعبث بالخيم ، حتى طاح بأسرة كان يرقى بها الزمان على أعلى القمم.

مضى الوقت وأنا انتظر ذلك الرجل وأبحث عن معاناته ، ولكنه تابع في سرد قصته المؤلمة ، وأنا في محاولاتي لاستشفاف ما يرنو إليه ، ولكن لم يكن بوسعي إلا الانتظار لسماع بقية القصة التي مللتها شيئا ما ، فتوقف قليلا ثم استرسل في كلامه قائلا : بأنه وبعد أن حقق كل ما يرجوه في إنجاب تلك الأجيال التي سيقاتل بها ومن أجلها ليصل بها إلى بر الأمان ، صار مبتئساً من أثر خلافات أسرية جعلته يفرِّق بين كل واحدة منهن ببيت صغير يجمع زوجة وأبناءها ليسود عليهم بتشريع وضعه لتحقيق غايته ، حتى باتت كل واحدة تسكن وأبناؤها في قوقعتها وحدودها الوهمية التي رسمها لها على (يافطة) بالية كتبها بريشة مزيفة ؛ يقودها منذ كان أعمى ... ، ولم يزل يجد من آلام تلك (اليافطة) ويعيش بين خلافات أسرية لا يذكر إلا همّ?Zها ؛ ضارباً ما مضى من تاريخ تلك العائلة ، لاعنا عقارب الساعة التي طوت السنين الضائعة ، وأمسى يحلم بعيش كريم يجمع ما فرقه الزمان ؛ بعد عصرٍ ضاع فيه الأمان ؛ وبات الحليم فيه حيران.

تأجج النقاش بين القاضي وذلك الرجل ، فأخذ يعطيه من الحلول التي طالما سمعت عنها وشاهدتها من خلال تلك الاجتماعات التي تتكرر من زمان لآخر وتنظم فيها القرارات الوثائقية التي لا تتصل مع الواقع إلا من خلال قلم وورقة ، حتى انتهت الجلسة دون أن يحكم القاضي بشيء يفرج أساريره ، فخرجت من تلك المحكمة برفقة ذلك الرجل مسائلاً نفسي وغاضباً لما سمعت ، حتى وصلنا إلى مكان يجلس فيه شيخ عليه ثياب سفر ؛ وقد اشتعل رأسه شيباً وبانت في وجهه سمات الاستفهام ، فصرنا نقص عليه تلك الأحداث ، ونحن نستجديه بطريقة نجمع بها أسرة ذلك الرجل المسكين … ، فطأطأ الشيخ رأسه خجلاً وحرقة ، بعد أن بدأ العرق يتصبب من جبينه وغزت الدموع مقلتيه ، عندما وقف متحدثاً عن حال أسرته الكبيرة التي عاشت في بضع وعشرين بيتاً بعد أن كان يسعها بيت صغير يجمع بين أفراده حباً وكرامة ، وتفرقت وحدته ولم تجمعها إلا دار يعلوها استنكار وصمت ؛ وبعد الصمت حزن وكبت ؛ حتى بات الحجر فيها منحوتاً بيد تلميذ مبتدئ يتعلم فن النحت.

عندها أدركت الواقع الذي أعيش ، وتنهدت لفراق وطني الكبير ، فتذكرت جدي عندما كان يحدثني عن حرية قُمعت بالقومية ؛ وتشرد أصحابها وفتئ ماؤها تحميه يد أمريكية ، وباتت أسلحتها مليئة بالذخائر الاستنكارية ، فقد أردنا لأرضنا أن تكون حامية ؛ والغرب أرادوها أن تكون لنا محمية ... ، فناديت ذلك الرجل أن اجمع يا أخي بيوتك بدار عزٍ ثورية ، واحكم فيها حتى ترجع النفوس إلى ربها راضية مرضية ، فقد صرنا من مصر إلى الشام نحتفل بمثلها شعلة وطنية ، بعد أن صفقنا لكل شيء وحققنا الأهداف كلها ، واتفقنا بأن لا نتفق إلا بجامعة تحوينا كهياكل عظمية ... ، فاجمع نساءك وأبناءك وعش فيها مرفوع الهامة والقامة ... ، وبعد أن تحرز النجاح فيها .. ارفع جبينك وأمِل (عقالك) يا أخي ... ، وتذكر أنك ستُعيد أراضيك المسبية ، وسيبقى الفضل فيها مرهونا .. بجامعة الزوجات العربية.
www.waleed-aabu.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد