كفتة وحب

مقالات السوسنة

كفتة وحب

08-09-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبورياش

في أول حياتي المهنية عملت معلماً في مدرسة أبي أيوب الأنصاري في حي شعبي في العقبة، وكنت أدرس الرياضيات على البيعة تكملة للنصاب كما يحدث عادة في مدارسنا العتيدة حيث يتعامل مع المواد بالمكيال وليس بالنوعية، وفي حصة إشغال للصف الرابع أشار بعض الطلبة إلى أن زميلاً لهم يتقن أغنية طريفة، فلما نظرت إلى الطالب عرفته من أضعف الطلبة تحصيلاً ولعله من أفقرهم حالاً، طلبت منه أن يخرج ليؤدي الأغنية، فأسرع، وأخذ يُغني أغنية (أول مرة) لعبد الحليم حافظ التي أصبحت (أول كفتة) يقول فيها:

أول مرة أذوق الكفتة ..... وأول مرة اتهنى
يا ما على نار الفرن شوينا ..... بالزيت والسمنة
ليه بيقولوا الكفتة أسيّة ..... ليه بيقولوا بصل ودموع
أول كفتة تمر عليّ?Z ..... أملا الدنيا فرح وشموع
افرح وأملا الفرن صواني ..... لا أنا ولا أنت حنشبع تاني
أول مرة أول مرة

لقد فوجئت بتألق الطالب في هذا المجال واندماجه في الإلقاء، وهو الغائب الحاضر في حصة الرياضيات، ولكن تبينتُ من بين السطور رسالة سخرية مرة موجهة لي مضمونها:

الخبز ... الخبز؛ إن البطون الخاوية لا يمكن أن تُسكتها أي عملية حسابية لا معنى لها، ولن يملأ خوائها أي شكل هندسي وإن بدا جميلاً، فلا تتعب نفسك، وابحث لك عن أبناء عِزٍّ تُدرسهم.

إن 1+1 = 2 حالة خاصة (مثالية) في عالم لا يعترف بها إلا في المدارس وليس دائماً. وإلا كيف تقنعني أن والدي يعمل 12 ساعة مقابل دينارين أو ثلاثة، وغيره يحصل على مئات الدنانير أو ألوفها مقابل ثلاث ساعات عمل إن لم يكن أقل، بل إن بعضهم يكسب مئات الألوف مقابل غمضة عين أو غض الطرف أو إدعاء صمم، وأسألك بالله هات لي مثالاً تطبيقياً واحداً من واقع الحياة على أي عملية حسابية مثالية. فلماذا تدرسنا الحالة الشاذة ولا تدرسنا الحالات الأخرى الشائعة؟

تفكرتُ في هذه الرسالة طويلاً، وتساءلتُ ما نفع كل برامج التطوير التربوي إن لم يسبقها تنمية اجتماعية واقتصادية، وما فائدة الشعارات الجوفاء والوعود السرابية، والأماني الكاذبة؟؟ إن التعليم يصبح عبثاً مع طلبة لا يجدون ما يأكلون، ويشعرون بالحرمان والظلم واليتم رغم وجود أبويهم، إنه أشبه بحراثة البحر أو حلب الهواء!!

mosa2x@yahoo.com