سجيّن ينظر إلى الطين وآخر ينظر إلى النجوم

mainThumb

18-08-2009 12:00 AM

في قصة روائية يقال بأنه كان في أحد السجون متهمين بقتل شخص ورميه في وحل مائي، وأن القاضي احتار بينهم في تحديد هوية القاتل، وفي غرفة سجنهما كانت هنالك فتحة مطلة على الخارج، فكانا يتناوبان النظر منها، وفي يوم النطق بالحكم س?Zئل القاضي المتهمين ما الذي كنتما تريانه من فتحة السجن؟، فأجاب أحدهما كنت أرى النجوم في الليل والشمس في النهار، وأجاب الآخر كنت أرى وحول الطين المقابلة للسجن، فحكم القاضي ببراءة الناظر للنجوم والشمس وبإعدام الناظر للطين.

قصة الرواية السابقة رغم تصوراتها الخيالية إلا أنها توازي قصة الراغب في الحياة والباحث عن الموت، فالإنسان يملك الخيار دائمًا، وإن أخر لحظة من حياتك هي في الحقيقة نقطة تحول حرجة بين الخضوع وبين الانتصار، وأنه بإمكانك أن تختار الانتصار كما أختار المتهمين النظر بين النجوم والطين... ، فالقاضي لم يجبرهما على الاعتراف لكنه الفكر هو من يسوقنا نحو مصيرنا، فإن كانت تواجهك مشاكل وصعوبات في حياتك...تجعلك تتصور نفسك بائس...ليس لمشكلتك حل...كل الأبواب مغلقة...سئمت من نفسك...كرهت من هم حولك...تتابع عليك الفشل...ماضيك أسود...مستقبلك معتم...تريد الهروب...تريد شيئًا يخرجك مما أنت فيه...وضعت هذه العناوين في داخل فكرك وسجنت عقلك بين قضبانها...بصراحة في ظل هذه القضبان لن ترى أمامك من مخرج غير الانتحار كما كان يرى القاتل الطين... هذا هو الحل لأنك حبست أنفاسك وحسبت عمرك وقدرت رزقك...هذا هو الحل فأنت كأنما تدعي أنك اطلعت على الغيب ورأيت نهايتك...هذا بكل صراحة هو الجبن...وهو الكفر...وهو الجنون...، كأنما تتجاهل قوله تعالى:-

{الشّ?Zيْط?Zانُ ي?Zعِدُكُمُ الْف?Zقْر?Z و?Zي?Zأْمُرُكُم بِالْف?Zحْش?Zاء و?Zاللّهُ ي?Zعِدُكُم مّ?Zغْفِر?Zةً مِّنْهُ و?Zف?Zضْلاً و?Zاللّهُ و?Zاسِعٌ ع?Zلِيمٌ }البقرة268

فدائمًا لو منحت نفسك لحظات خارج تلك العناوين البائسة لوجدت طرقًا مضيئة كثيرة يمكنك الاسترشاد بها نحو بر الأمان ونحو حياة أفضل، فلماذا نلجأ للغة الاستسلام، ونحن في داخلنا قوة قادرة على تحويل الهزيمة لنصر، فقط ليس مطلوب منا غير مواجهة للحظات الضعف بنوع من الهدوء والتروي والتعقل، علينا عدم تخيل اللحظة الآنية لموقف أو مشكلة بحد ذاتها على أنها سجن أزلي لنا ولحياتنا، بل علينا أن تصور مستقبلاً أكثر إشراق لحياتنا، فهذه الطاقة والجرأة على قتل نفسنا طاقة هائلة من القدرات التي لو استغليناها في حياتنا لصنعنا من إخفاقاتنا انتصارات، فكما يقال بين الجنون والعبقرية شعرة، فإن بين الانتحار والانتصار للحياة لحظة فكرة متفائلة، وعلينا أن نتذكر أن أبرز دوافعنا للانتحار هو شعورنا بأننا نسير في منحنى منحدر نحو القاع، ولكن هل في الانتحار حل لهذا الحال؟!...، فحقيقة الانتحار وفق أبسط تصور هي عملية تسريع لسرعة سقوطنا نحو القاع وليس فيها أي محاولة لوقف الانحدار أو تغير مجراه نحو الصعود، فربما تكون الحكمة القائلة :- (أنك لا تستطيع الوقوف في أثناء السقوط) صادقة، لكن هذا لا يعني أن نحاول ما استطعنا أن نبقى في الأجواء أكبر فترة ممكنة قبل أن نصل للقاع، فصن حياتك بفكر وعقل وقلب شجاع مؤمن ومتزن، وتحلى بالصبر على نائبات الحياة، وتذكر بأن حال الأيام متقلب، فربما يكون لك في غيب الله الكريم وافرًا من الخير، فلا تستبق الأمور بفكرة الانتحار، وأنظر دائمًا للحياة بتفاؤل.

karakmalek@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد