أحداث العنف .. رسائل ونذر

mainThumb

22-08-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبورياش


أحداث العنف التي تحدث بين الحين والآخر هنا وهناك في وطننا الحبيب، لسبب أو آخر، كما حدث مؤخراً في عجلون وطيبة إربد، وقبل ذلك في الجفر، وما يحدث في أحيان كثيرة في الجامعات، وغير ذلك، يؤشر إلى حالة خطرة توشك أن تتزايد وتهدد نسيج المجتمع الأردني المتماسك، وتنذر بعواقب وخيمة تهدد الأمن الاجتماعي الذي نعتز ونفخر به.

حوادث القتل كما كان يتم في الغالب تحل بوساطة أهل الخير، وأن يأخذ العدل مجراه، ومثلها حوادث كثيرة تحل بالتوافق وتدخل النشامى لإصلاح ذات البين. وبعض الحوادث للأسف تكون لأسباب بسيطة يكبرها بعض السفهاء الذين يلعبون على وتر العشيرة والقبيلة مما يشعل شرارة العداء بين العشائر والقبائل.

أما ما يحدث من أعمال عنف هنا وهناك، فليس الحوادث المعلنة هي السبب، وإنما هي القشة التي تقصم ظهر البعير، أما الأسباب الحقيقة الكامنة والتي يتجاهلها البعض، واضعين رؤوسهم في الرمال، فهي الأسباب التي تؤرق جميع فئات المجتمع الأردني وخاصة الطبقتين الوسطى والفقيرة، الأسباب المتعلقة بالفقر وقلة ذات اليد، وفقدان الحيلة، وعدم القدرة على التكيف مع الغلاء الذي ينهش القلوب قبل أن يمزق الجيوب، وعدم استطاعة الأسر توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الذي يحفظ لها كرامتها، ناهيك عن عجزها التام على تأمين متطلبات الدراسة الجامعية لأبنائها، والعجز المتراكم للفواتير والأقساط والكمبيالات المستحقة، وتأتي البطالة كأحد الأسباب الطاغية الضاغطة بقوة، وكف التفكير بالزواج لاستحالة الوفاء بالتزاماته، مما يعمل على تزايد معدلات العنوسة بين الجنسين تهديداً للأمن الاجتماعي والأخلاقي.

كل هذه الأسباب المذكورة وغيرها كثير مما لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى، كلها أسباب توقد شعلة الغضب والضيق والتوتر والتأزيم الداخلي للمواطن التي قد تثور عند أتفه الأسباب، فيتجمع المواطنون لإفراغ شحنة غضبهم تحت أي شعار، (متفششين) ببعضهم البعض، متخذين من السبب المباشر (القشة) مبرراً لما يقومون به، مع أن هذا السبب بالذات لم يكن ليقابل بذات العنف أو ردة الفعل سابقاً عند حدوث أحداث مشابهة.

الأوضاع الاقتصادية الخانقة، والأسعار التي ترتفع دون هوادة، والاحتكار الذي يقوم به البعض، وقصص الفساد التي تشاع هنا وهناك بغض النظر عن مصداقيتها، وعدم التحرك الحكومي الجاد لضبط الأمور والسيطرة على السوق وضبط إيقاعه حسب مداخيل المواطنين وأوضاعهم، والضرب بيد من حديد على كل محتكر ومستغل ومتاجر بقوت الناس، كلها أسباب تتجمع وتتراكم وتسبب الاحتقان لتثور كبركان عندما تحين اللحظة الحرجة.

من واجب الحكومات أن تؤمن للناس حاجاتهم حسب قدراتهم لا حسب جشع التجار وطمعهم، ويجب أن تتجاهل الحكومات مؤقتاً حكاية حرية السوق والعرض والطلب، فالأمن الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي مقدم على المصالح الضيقة العفنة للبعض الذين لا يهمهم سوى أن تسمن جيوبهم وأرصدتهم على حساب جوع الناس وضمورهم وحسرتهم.

ما يحدث هنا وهناك من أحداث عنف رسائل لمن يريد أن يفهم، ونذر لأولي الألباب، يجب العمل وبالسرعة القصوى على معالجة مشاكل الناس الحياتية المعيشية منها والخدماتية، ولا عذر لمقصر ولا لمتهاون أو عاجز، تحت أي مبرر أو ذريعة، فما ينفق هدراً هنا وهناك على كماليات لا طائل من وراءها، أو مشاريع يمكن تأجيلها لحساب أولويات لا بد منها، أو ترف لا يعني إلا البعض، هذه النفقات لو صرفت في طرقها الصحيحة لأقنعت المواطنين بجدية المسؤولين وحرصهم على المال العام، وصدقهم فيما يقولون، ولهدأت من غضب الناس ونقمتهم، ولجعلتهم يفكرون بروية قبل أن يقوموا بأي عمل يمكن أن يخل بالأمن، ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا والمواطنون يرون بأم أعينهم تسيب المال العام تحت ذرائع لا تقنع أحداً، حفلات ومهرجانات وأعطيات ورواتب خيالية للنواب، ونفقات لا معنى لها، ومياومات وسفريات ومؤتمرات لا تقدم ولا تؤخر، وغير ذلك مما يفوق الحصر.

وعلى الحكومة أن تقوم بما يتوجب عليها، لما فيه مصلحة المواطنين ومصلحة الوطن العليا، وأن تؤجل ولو إلى حين مصالح المحاسيب وأصحاب الملايين والبلايين، عسى أن يكون لها موقف أبيض ينفعها في أيامنا الحالكة هذه، والحكومة تعرف أن الأسعار الدارجة مبالغ فيها جداً، ولا تقل أرباح أي تاجر في السلع المستوردة عن الضعف بأي حال من الأحوال.

لقد آن للعقلاء في وطني الحبيب أن يتداركوا الأمر، وأن لا يتركوا الشرر يتزايد، ولا بد أن يتحرك الجميع للجم الشر، والقضاء على الفساد، وبتر كل يد آثمة، وأن يسعى كل عاقل ومهتم وصالح في انتشال المواطنين من مستنقع الفقر والحاجة والعوز وضياع الأمل بتحسن الأحوال، ولا أقل من لجم غول الأسعار الذي يتصاعد بلا هوادة، ومن العيب والمعيب أن نترك الأمور على علاتها دون أن نهتم أو نسعى لحل الأزمة والتأزم الداخلي، وكلنا ثقة أن يتدخل ملك البلاد وقائد المسيرة، ليعيد الأمل للجميع ويزرع البسمة على شفاه البائسين، ولكن تدخله يعني أن من بيدهم الأمر وأصحاب العلاقة والمسؤولية قد فشلوا فشلاً ذريعاً في القيام بواجباتهم، وتحمل مسؤولياتهم.

mosa2x@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد