مع عطسة هالطفل

mainThumb

09-04-2010 01:26 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

( مع عطسة هالطفل )

رياض الربابعة

يحتاج الأنسان في أوقات كثيرة الى ما يدلل على صحة أقواله وأحاديثه التي يتحدّث بها الى الآخرين؛ فعندما يشعر البعض أن الآخرين بدأوا بالغمز أو اللمز أثناء حديثه وبأن كلامه مبالغ به أو أنه غير قابل للتصديق؛ فأنه يلجأ الى البحث عن كل الأسباب التي تؤيد حديثه : يبدأ بالقسم وحلف الأيمان؛ وربما زاد على ذلك كثيرا كأن يلجأ للحلف بالطلاق؛ أو أن يشير لمن يستمع اليه بسؤال فلان أو فلان عن صحة تلك الأنباء او الأخبار التي بتحدث بها.

أحيانا معينة ينبري شخص أو أكثر لمؤازرة المتحدث في كلامه وبأن كلامه صحيح وبأنهم رأوا وشاهدوا ذلك. لكن الغريب أن بعض هؤلاء المؤازرين لم يسمع أو يشاهد شيئا مما يتحدث به صاحبه وأنما تصرف بهذا الشكل من باب الفزعة والحمية لصاحبه وأخراجه من ورطة معينة أو موقف محرج بسبب حكاية تزخر بأمور كثيرة من الصعب تصديقها من باب تسجيل المواقف.

واذا ما كان الشخص محظوظا بعض الشيء فتأتي عطسة طفل في المجلس متوائمة تماما مع حديثة؛ فيقول بعبارة استدراكية: مع عطسة هالطفل؛ أي أن هذه العطسة من هذا الطفل البريء دليل على صحة كلامة؛ أو أن يتوافق حديثه مع صوت المؤذن ليقول أيضا: مع صوت ابن هالحلال.

ولطالما راهن المتحدث على أن غداء كل الحضور- على ذبيحة - سيكون عنده ويتبعها بعبارة – جيرة الله – فيما لو ثبت عدم صحة كلامه أو حديثه ممسكا بشاربه كدليل على جديته بالأمر.

مما وصلنا من الأمثلة الشعبية من الأجداد أن صنفين من الناس هم الأكثر عرضة للكذب من غيرهم ذلك أن أحدا لم يسمع أو يشاهد كل ما قد يتحدثون به للآخرين:

شاب تغرّب عن أهله وبلده؛ "وختيار" ماتت أجياله؛" فيقولون في المثل الشعبي: "يكفيك شر شب لا تغرّب ؛ وشر ختيار لا ماتت أجياله".

فالشاب المغترب كان في مكان ما بمفرده ولا يوجد أحد من الحاضرين يستطيع أن يقف بوجهه ليدحض كلامه ويقول له بأن حديثه كذب أو خيال؛ ثم أن التغرب أو الأغتراب في الماضي كان نادرا وقليلا ؛ ولم تكن تقنيات العصر موجودة بهذه الكثافة لنقل حضارات الشعوب لبعضها البعض؛ فالبلاد البعيدة مجهولة جدا وتساعد الشاب المغترب على الحديث عنها بالكيفية التي يريد ؛ والآخر مات كل جيله وبقي وحيدا وشأنه في الكذب شأن الشاب الذي تغرّب ولا يجد أحدا يناقض أو يخالف كلامه أو حديثه.

كم نحتاج في حياتنا الى أطفال مصابين بالرشح أو الأنفلونزا لتدعيم الكثير من أحاديثنا؛ وكم نحتاج الى أصوات المؤذنين لنفس الغاية بعد أن تفشّى الكذب في مفاصل كثيرة من حياتنا: في المجالس وما تزخر به من أحاديث؛ وفيما نسمع أو نشاهد أو نقرأ في بعض وسائل الأعلام؛ وفي أسمى علاقاتنا ببعضنا البعض.

riyad_rababah@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد