جامعات للبيع… والعاملون آخر من يعلم

جامعات للبيع… والعاملون آخر من يعلم

28-11-2025 11:20 AM

لم يعد المشهد في الجامعات الخاصة مشهداً عابراً أو خطأً فردياً يمكن إصلاحه؛ نحن أمام واقعٍ يفرض نفسه بقوة المال، ويعيد تشكيل صورة التعليم العالي في الأردن بطريقة لا تشبه تاريخ هذا الوطن ولا مكانته العلمية.
جامعات تأسست نتيجة شغف الأردنيين بالتعليم، لكنها تحوّلت، بمرور السنوات، من مؤسسات أكاديمية رصينة إلى شركات تدار بعقلية السوق، وكأن الغاية النهائية ليست بناء العقول، بل بناء الأرباح.

في هذه الجامعات، لم تعد القيم الأكاديمية هي الحاكم، ولا الأعراف الجامعية هي المرجع، بل ظهرت طبقة جديدة تتحكم بكل شيء: هيئة المديرين.
هذا الكيان الذي أصبح “اليد التي تُطعم وتمنع”، يتدخل في التعيينات، وفي البرامج، وفي التفاصيل الدقيقة، حتى أصبح بعض رؤساء الجامعات مجرد موظفين ينتظرون التوجيهات، بدلاً من أن يكونوا قادة للمؤسسة الأكاديمية.
وبينما تختفي الرقابة، تصحو سلطة رأس المال، فيتحول القرار الأكاديمي إلى قرار مزاجي، والجامعة إلى شركة مساهمة، والطالب إلى رقم في دفتر الأرباح.

ولأن الواقع في بعض الجامعات الخاصة أكثر سريالية من الخيال، فقد وصلت إلى الوزير روايات تكاد تكون نكتاً سوداء؛
إحداها أن “الحاكم بأمره” في إحدى الجامعات اتصل بسكرتيرة رئيس الجامعة يسألها بكل صلافة وبأسلوب يفتقر لأدنى درجات اللباقة: اجى .....؟
باختصار نقول إن تعامل بعض المالكين مع رئيس الجامعة يخلو من اللباقة والاحترام، وكان رئيس الجامعة موظفاً عنده .
هكذا، دون احترام للموقع أو للمؤسسة أو للإنسان.
فإن كان هذا أسلوب التخاطب مع رئيس جامعة، فكيف يُعامل من هم دونه؟

ولم تقف الحوادث عند هذا الحد؛
فقد تناقلت الألسن قصة أحد النافذين—الذي لا يحمل سوى المرحلة الإعدادية—ومع ذلك كان يعين رئيس الجامعة بعد أن يأخذ منه استقالته مسبقاً… بدون تاريخ.
ورقة معلقة… يحدد تاريخها ساعة يغضب، وساعة يشاء.
مشهد لا يحدث في الجامعات، بل في المسلسلات التي تُبنى على مبالغات لا تحدث في الحياة… إلا عندنا.

ومع كل هذا، يبقى المشهد غير مكتمل دون ذكر الرجال الذين رفضوا الانكسار.
رجالٌ يعرفون أن الجامعة ليست دكاناً، وأن الضيف لا يُستقبل بالبخل، وأن الكرامة الأكاديمية لا تباع ولا تُشترى.
وأستحضر هنا الموقف الذي يُحكى عن الأستاذ الدكتور سلطان أبو عرابي، عندما كان رئيسا لجامعة ، ، ، ودعا ضيوف مؤتمر في الجامعة إلى المناسف الأردنية الأصيلة.
فغضب بعض أصحاب الجامعة واقترح أحدهم، بلا خجل:
“يا دكتور… كان بكفي فواكه… أو صدور بطيخ!”
لكن الدكتور سلطان، الرجل الذي يعرف ماهية الضيافة وأخلاق الأكاديميا، أجاب بحزم:
“هذا تفعله أنت في بيتك… أمّا أنا فلن أستقبل ضيوفي بصدور بطيخ.”

هكذا تكون القامات.
وهكذا تُحفظ هيبة الجامعة… لا بالمكاتب الفخمة، ولا بسطوة المال، بل بالمواقف التي تصنع الرجال وتُبقي للجامعة مكانتها.

إن ما يحدث في كثير من الجامعات الخاصة اليوم ليس مجرد خلل إداري، بل أزمة أخلاقية ومؤسسية تمسّ جوهر التعليم العالي.
العاملون فيها بلا حماية، الأكاديميون بلا سند، والقرار الأكاديمي يُطبخ خارج المطبخ الأكاديمي، بينما الجهات الرقابية تراقب من بعيد… أو لا تراقب أبداً.

إنقاذ الجامعات الخاصة ليس ترفاً، بل ضرورة وطنية.
وإذا لم نُعد ضبط البوصلة، فسيبقى تعليمنا أسيراً لرأس مال لا يعرف من الجامعة سوى أنها “استثمار ممتاز”، وسيبقى العاملون فيها… آخر من يعلم.

وللحديث بقية… ما دام في الوطن رجال يكتبون، وجامعات تستحق أن تُحترم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد