آداب النقد

mainThumb

25-04-2010 07:25 AM

من نافلة القول أن الناس يحبون الثناء : ثناء الآخرين وشكرهم على صنائعهم التي قاموا بها؛ وهذا بحد ذاته أمر محمود لا غرابة فيه؛ ومن المعروف أيضا أن الناس ينفرون من الأنتقاد والذم؛ وأما النقد بحد ذاته فهو وسيلة لطلب الكمال والأبتعاد عن السلبيات ونقائص الأعمال مالم يكن هذا النقد نزوة عمياء لا تهدف الا للنيل من شخص الأنسان المنتقد.




النقد أمر يومي نمارسه بتلقائية وعفوية في كل ساعاتنا؛ وقد يكون مقصودا وموجها للآخرين؛ فأنت عندما تريد شراء بضاعة معينة فأنك بطريقة أو بأخرى تنتقدها وتفضّل الأجود عليها؛ وينسحب ذلك على بقية شؤون الحياة كالزواج وما يسبقه من مواصفات الزوجة وحسن اختيارها؛ ومعلوم أن الناس ما زالوا يتبعون عادة أرسال نسوة ذوات خبرة وكفاءة وتجربة ومراس لنقد العروس قبل التقدم لها.




 ليس جميلا أن يكره الأنسان نقد منتقديه دائما؛ فكراهية النقد دليل واضح على الأستعلاء وقصور العقل والتكبر والأنانية المفرطة وهي دليل أيضا على ضيق الخلق .ان أبرز أسباب كراهية النقد هو هذا الشعور الذي يلازم الأنسان أن من انتقد يجب أن يكون أعلى شأنا ممن انتقده؛ وأن النقد استعلاء عليه ؛ وأن الناقد مبرأ من الأنتقادات والعيوب التي يوجهها لمن انتقده.





والحقيقة الواضحة أننا كثيرا ما نجد أن المنقود أفضل من الناقد في العيوب المنتقدة أو غيرها؛ ذلك أن من ينتقد عاجز عن الأتيان بمثل ما جاء به المنقود؛ فالأنسان العادي ينتقد أمورا كثيرة في حياته اليومية: قد أرى بناية جميلة فأنتقد عيبا معينا فيها؛ لكنني بكل الحالات لن أكون أكثر مهارة ممن قام على بنائها وتشييدها من المهندسين والمعماريين ولا ينبغي لي أن أزعم أبدا بأنني أكثر منهم مهارة في البناء؛ ولو أنهم أوكلوا لي مهمة أصلاح ما انتقدته لما استطعت الى ذلك سبيلا؛ بل وربما أهدم أكثر مما ينبغي لي أصلاحه فيما لو أوكل الأمر لي. وفي الكتابة والتأليف ينسحب الأمر كذلك على من ينتقد ما يقرأ في الوقت الذي ينتقد فيه هذا العمل أو ذاك فأنه لا يستطيع تأليف وتكوين جملة واحدة مفيدة.





يروي لنا عباس محمود العقاد قصة جميلة بهذا الشأن يقول فيها:

وقصة المصور الصيني معروفة، تصلح للذكر في هذا المقام: كانت له صورة يعرضها ويتوارى خلف ستار المصنع ليستمع إلى أقوال الناظرين إليها. وكان منهم إسكاف عاب شكل الحذاء لأنه لا يُطابق القالب المخصص لصنعه فأخذ المصور بملاحظته وأصلح عيبه كما اقترح الإسكاف. وعاد هذا في اليوم التالي فأطمعه التفات المصور إلى رأيه وأكثر من الملاحظة على أجزاء الصورة من الرأس إلى القدم، فبرز له المصور من وراء الستار وأملى عليه درسه في هذه المرة: إنك أحسنت فيما عرفت، فلا تسئ فيما تجهل، وقف بقدميك على حذائك ولا تزد عليه .





ومهما يكن من إحسان هذا الناقد في ملاحظته فهو إحسان كلام لا إحسان عمل، لأنه لو سئل أن يُصلح الخطأ في حذاء الصورة لما استطاع أن يزيل عيب الصناعة فيها. ولا يزال المصور أقدر منه على إصلاح عيوب الصورة حتى في شكل الحذاء .
ومهما أبدى الناقد من ملاحظات وانتقادت وسلبيات فهو لن يكون بأي حال بمستوى ما ينتقده؛ فهو انتقاد كلامي ليس الا؛ ولا يدل على قدرته على أصلاح العمل أكثر من صاحبه.





أن القدرة على أظهار المعايب والمساويء هي بلا شك أسهل بكثير من القدرة على أظهار الحسنات؛ فالأطفال الصغار لديهم قدرة على تقليد عيوب العظماء والكبار ومحاكاتهم والسخرية منهم بطرق كثيره؛ لكنهم يحتاجون الى سنوات طويلة لأدراك عظمتهم وحسناتهم وفضائلهم.





خلاصة الأمر فالنقد أمر محمود اذا استطاع الناقد أيصاله بأدب وحكمة ولباقة؛ ففي الكتابة سيما الألكترونية منها نرى أن النقد يحيد عن مبتغاه الى غايات أخرى؛ فبدلا من نقد النص أو المقال يتحول النقد الى هجوم أو تهجم على الكاتب؛ كل ذلك بالطبع بسبب أختباء الناقد ان صحت التسمية خلف أسماء وهمية أو رمزية؛ وخير من نقد هؤلاء هو أن يسعوا بأنفسهم للسمو والأرتقاء ومحاولة الأفادة والكتابة وقديما قيل:

ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام

riyad_rababah@yahoo.com





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد