حتى لا تتحول أساطيل الحرية الى مجرد سياحة بحرية

mainThumb

10-06-2010 08:57 AM

  حتى لا تتحول أساطيل الحرية الى مجرد سياحة بحرية

سجلت الدبلوماسية التركية هدفا بمرمى الاحتلال باستعراض أسطول* الحرية أمام جمهور عالمي يقدر بالملايين, ولكن ساد الاستعراض جو من الشغب والعنف. واحداث العنف هذه أسفرت عن وقوع العديد من الشهداء من الجمهور التركي, وللأسف فإن العالم بانتظار قرار الحكم الدولي: هل سيحسب الهدف. أم يعتبره تسللاُ, وتنتهي المبارة دون أهداف الا من حوالي العشرين شهيداً من الأتراك ولم نسمع بشهداء من الأطراف الأخرى المشاركة.



ويبدوا أن فكرة اساطيل الحرية قد راقت للآخرين, فقد قرأت على أحد المواقع ان عدداً من الفنانين وأكيد لفيف من الفنانات طبعا سينظمون الى أحد اساطيل الحرية القادمة لكسر الحصار على غزة المحاصرة, وقرأت أيضا ان هناك اسطولا ً ربما ينطلق من بيروت , وخبرأ آخر مفاده أن أوردوغان يفكر أن يذهب بنفسه. وحتى لا يعتقد أحد انني ضد الفكرة أو اقلل من جهد منظميها او أثبّط من عزائمهم أؤكد أنه اذا كانت هذه الأساطيل ستأتي بالفائدة للقضية الفلسطينية وستفك الحصار عن غزة فعلا , فأهلا وسهلا بها, ولينطلق من كل ميناء اسطول لهذا الغرض, أما اذا كان الغرض هو فقط " كشف أو فضح السياسات الإسرائيلية" فلنوفر ثمن الديزل ونستريح ونتبرع لأهل غزة بقيمته, الا اذا رأينا الأمر مجرد سياحة بحرية لا أكثر. ذلك لأن سياسة اسرائيل مكشوفة من يوم يومها وليست بحاجة الى المزيد من الكشف, خاصة أن السياسات العربية لم تصنع شيئا طيلة عقود من الصراع مع العدو الا المزيد من (كشف) الأهداف الصهيونية والنوايا الخبيثة لإسرائيل, فلا رجعت فلسطين, ولا تراجع العالم عن دعم اسرائيل. إن الإكثار من هذه الأساطيل وبنفس الروح والأسلوب يجعله عديم الجدوى, لأن فكرته وصلت العالم من الأسطول الأول. فقد أصبح سيناريو الأساطيل واضحا الآن: سفن تبحر, اعتراض اسرائيلي , سحب الى ميناء اسدود (قرصنة اسرائيلية) ثم ترحيل المشاركين بهذه المظاهرة البحرية الى بلادهم, بعد مصادرة ما تحمل هذه السفن من مواد غذائية ودوائية, وماذا بعد؟ طبعا التحضير لأسطول جديد.



اما شعب غزة فكان الله في عونه, وله الله, وكأن الله كتب عليه أن يبقى منتظرا للقوافل من البحر, وكأنه ليس هناك طرق أخرى لكسر الحصار. وهنا اسأل عن المقصود بكسر الحصار؟ هل هو كسر سياسي أو اقتصادي؟ فإذا كان المقصود هو الجانب السياسي لإنقاذ حماس وتقديمها للعالم كقوة بديلة أو موازية للسلطة الفلسطينية فإن كل اساطيل العالم لن تُفلح في ذلك الا اذا رأي العالم تغيرا جدّيا وجذرياً في سياسة المسؤولين في غزة برجوعهم الى الشعب الفلسطيني وسلطته الشرعية التي انفصلوا عنها, وبتغيير افكارهم بخصوص عملية السلام واتفاقيات السلام المعقودة لأن هذا التزام دولي وافقت عليه السلطة الشرعية ممثلة بالراحل ياسر عرفات. وحتى نكون منصفين فقد صدرت تصريحات من بعض قادة حماس في غزة ومن قبلها من الأستاذ خالد مشعل عندما قال اثناء القصف لغزة" أن على العالم أن يعترف بحماس ويفاوض حماس" كذلك قال المسؤولون بأن لا مانع لدى حماس من التفاوض مع الولايات المتحدة. وهذا يعني أن هناك تغيير في سياسة حماس وأن المسألة كلها سياسة في سياسة.



أما اذا كان الهدف منها هو كسر الحصار الإقتصادي فإن الأمر جدي ولا يحتمل مزيد من التأخير عن هؤلاء المحاصرين, وهم بحاجة ماسة للمساعدات أكثر من حاجتها لمواقف سياسية, واستعراضات بحرية. ربما كانت السياسة تعني الكثير للسياسيين ولكن الشعب المحاصر لا تعنيه هذه الأبجديات السياسة لا من قريب أو بعيد. انما ما يعنيه هو الحصول على العيش الكريم والرعاية الصحية المناسبة. وهذا يجب أن لا يغفل عنه منظموا أساطيل الحرية. يجب أن ينصب تفكيرهم على توفير الغذاء والدواء لهذا الشعب المحاصر. وهنا يشغل بالي سؤال مهم وهو لماذا الأصرار على ايصال الغذاء عن طريق البحر (المستحيل) أو عن طريق المعبر المصري المغلق؟ الا يعلم المنظّمون أن هناك معبر آخر وهو عن طريق الأردن الذي يسير القواقل تباعا لقطاع غزة, ولم نسمع أن قافلة تأخرت بالوصول الى غزة؟ ان الأصرار على استعمال الطرق المغلقة يعكس عدم الجدية بموضوع توفير العيش الكريم ويعيدنا الى البعد السياسي اكثر من البعد الإنساني لهذا القطاع المنكوب.



جرى نقاش بيني وبين بعض الإخوة حول هذا النقطة وكانوا من الذي يعارضون ايصال المساعدات عن طريق الأردن: فمنهم من قال ان طريق الأردن سيوصل الغذاء الى السلطة وغمز لي بعينه على اساس انه هناك أمور أجهلها أنا ومطلع عليها سيادته. طبعا لم نسمع بأن قوافل الخير الهاشمية تذهب للسلطة ولكنها تذهب الى غزة بناء على اتفاق مسبق مع الجانب الأسرائيلي بموجب اتفاقية بين البلدين, والدليل مستشفيات الميدان العسكرية التي تؤدي عملها على أحسن وجه بشهادة قادة حماس بالحكومة المُقالة, ومنهم من أخذها لبعد وطني قومي على أساس أن معبر ابو سالم "الطريق الذي توصل الأردن المساعدات لغزة من خلاله " تحت الاحتلال وهم لا يعترفون بشرعية لاحتلال.



ما الحل اذاً, هل سنبقى ننتظر الى أن يُكسر الحصار لنوصل المساعدات لهذا الشعب الصابر رهين المحبسين؟ يقال ان رجلا كان لا يتقن السباحة حاول عبور النهر فأوشك على الغرق, وصرخ طالبا للنجدة فسمعه آخر فحضر لمساعدته, وقبل أن يشرع بالنزو ل لنهر لأنقاذ هذا الغريق جلس على ضفة النهر واخذ يلومه على نزوله النهر دون معرفته بالسباحة وأطال في لومه. فقال الغريق: يا هذا انقذني اولاً ثم لُمني. وكأنني بأهل غزة يصرخون : يا عرب انقذونا أولاً.



بارك الله في كل الجهود الخيرة الأردنية التي تعمل في صمت وتوصل المساعدات الى مستحقيها دون ضجيج اعلامي الا من قبيل لفت النظر الى ان هناك طرق أخرى لأيصال المساعدات غير طريق شلاش**.



* عند الانتهاء من كتابة المقال قرأت عن نية إسرائيل تسير اسطول من السفن الصغيرة باتجاه السواحل التركية للاحتجاج على احتلال تركيا لجانب من قبرص.

** شلاش شخصية استعملها الكاتب احمد الزعبي رمز بها الى الاحتلال في مقالة له بعنوان " مسطول الحرية"

Alkhatatbah.maktoobblog.com

alkhatatbeh@hotmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد