الى ولدي بمناسبة تخرجه

mainThumb

23-06-2010 07:00 AM


عجيب أمر هذه العيون في مآقينا, فهي تدمع فرحا كما تسيل حزنا. وهذا ما حدث معنا, فدمعت أعيننا فرحا عند استعراض نتائجك المشرفة من موقع جامعتك الإلكتروني معلنة تخرجك من كلية طب الأسنان. وهي نفس المحاجر التي سالت دمعا منا عندما دفعنا بك الى بلد الإغتراب لتنهل من علم أصحابها هناك. ويبدو أن هذا هو التوازن الرباني للخلق والخلائق. فهي تدمع بنفس الدرجة في كلا الحالتين.



لن أنسى ما حييت تلك اللحظة التي تركتك فيه بمصر وحيداً لتعتمد (بعد الله) اعتمادا كلياً على نفسك, وكنت قبلها تطلب فيأتيك ما تطلب. دارت الدنيا وزاغ البصر ودمعت العين وأنا أركب السيارة عائداً الى الأردن. لكن غمرني بعدها شعور بالأرتياح عندما صحوت على صوت الأخ أبو سند صاحب المكتب الثقافي الذي نسق قبولك في الجامعة عندما قال" سلمها لله يا أبا محمد", عندها حمدت الله وأسلمت أمري إليه.



نعم. سمعنا كلمات كثيرة عند اغترابك "مثل الغربة للرجال" و "الغربة راح تخليه زلمة" . وهكذا جئتنا يا محمد زلمة كما أردناك رافع رأسنا عاليا بشهادتك التي انتظرناها طويلاً كما انتظرتها أنت. فأنت اتنتظرتها لتشق بها طريقك في هذا العالم المتلاطم الكبير الذي لا مكان فيه إلا للعلم والعلماء. وانتظرناها نحن لنتوج بها جهودنا, وهي شهادة لنا على حسن استثمارنا بتكاليف دراستك. فخير المال ما استثمر في صناعة الرجال.



قديما قالى لي جدك وهو يعطيني أجرة الطريق لأركب الى عمان للدراسة في الجامعة الأردنية مبعوثا على نفقة وزراة التربية والتعليم " اسمع يابا: أخوي ما بحب يصير أحسن مني . لكن افتخر وأرفع راسي اذا ابني بصير أحسن مني" وهي المقوله التي رددتها على مسامعك كثيرا, لذلك لم أغضب ولم أزعل عندما اعتذرت عن مقعد اللغة الانجليزية بجامعة اليرموك الذي حصلت عليه معللا ذلك بقولك " بكفينا بالعلية واحد انجليزي", فأيقنت أن هذه سنّة الكون, وأنك تريد أن تخرج من جلباب أبيك. طبعا أنا تيقنت أنك لم تخرج بعيداً عن جلبابي عندما سمعتك ذات مرة تتحدث الأنجليزي في مناسبة معينة, فالثمرة لا يمكن لها أن تقع بعيداً عن الشجرة.



يقوى حناحاك يا ولدي يوما بعد يوم لتستعد للتحليق بعيداً عن عش العائلة لتكوّن عشاً جديدا يخصك, وهذه سنة الله في خلقه, فكما طرنا نحن ستطير أنت , ولكن : الله الله فينا يا محمد ولا تحلق بعيدا فنحن نسعد بقربك منا بنفس الدرجة التي نفخر فيها عندما نراك تزهو باستقلاليتك التي كانت جزءا من تربيتنا لك. عاملنا بالإحسان فنحن لا نطلب العدل, فلبرما قصرّنا معك في أمور لم نقصدها, أو كان لنا فيها قصد تربوي, فاحفظ لنا حق الصحبة والتمس لنا العذر إن حدث منا بعض القصور أو الحزم, خاصة أنك كنت أول المنظمين إلى أسرتنا. إن التربية كما ستعلم عندما يحين دورك لتربية أبنائك تتطلب بعض الحزم أحياناً, فقد قال الشاعر:



وقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم

فمرحبا بك بيننا ووفقك الله في خدمة أهلك وبلدك يا دكتور محمد, وتذكر دائما مخافة الله فيما تعمل, فمخافة الله منجاة لك ولنا من حسابه, وبها تنال التوفيق الدنيوي.


نعلم أن مطالب الحياة كثيرة ومتزايدة ومتنوعة ولا تنتهي, فلا تجعلها تسيّرك بل كن أنت المسيّر لهذه الظروف. لا تجعل نظرتك للمريض أنه مشروع استثماري بل هو إنسان أولاً وأخيرا, فعالمه كأنسان ليبادلك نفس المحبة. فحب الناس يا ولدي هو علامة من حب الله لك, فقديما قالوا أذا أحب الله عبدا حبب خلقه فيه.


نسأل الله لك ولكل خريجي الوطن التوفيق والصلاح, وأعانكم على تحمل ما ينتظركم من مسؤوليات جسام , لتكونوا كما أردنا لكم : رجال همة وعزم.


والدك

Alkhatatbah.maktoobblog.com

Alkhatatbeh@hotmail.com

ملاحظة: ربما تبدو هذه الرسالة شخصية, ولكنن بالحقيقة لسان حال كل والد تجاه أول أبنائه عندما يتخرج.

ألف مبروك لكل ولكل خريج



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد