فقدنا الثقة

mainThumb

13-12-2011 09:24 AM

 قد تكون كلفة التغيير التي فرضتها موجات الربيع العربي باهظة الثمن، لدرجة ‏أن المجتمعات التي عايشت هذه التجربة لم تستطع استيعاب هول الخراب والقتل ‏والتدمير الذي نجم عن الحراكات الشعبية، واصطدامه بالرغبة الشديدة والمستميتة ‏من الحكام للبقاء بالسلطة، ولو كانت المعادلة فناء الثلث ليبقى الثلثان.‏ ‏

فالنظرة السطحية للواقع تقول ماذا جنا الثوار والشعوب الثائرة على حكامها غير ‏خراب العمران وانعدام الأمن، فالفقر لم يرحل مع رحيل الحكام، والمشاكل لم تحل ‏بترك الحكام للسلطة، بل إن الذي يحدث من خراب وتدمير وقتل في بضعة أشهر لم ‏يحدث في عهد الحكام المغضوب عليهم شعبيا في سنين، فلماذا الثورات ولماذا ‏الاعتصامات والمطالبة بالمطالب التي يمكن حلها بالطرق التفاهمية، ومراعاة ‏المصالح للجميع حتى لا تحل مشكلة باختلاق أخرى.‏

 ‏ والصوت يعلو بضبط النفس، والمحافظة على الممتلكات العامة، واحترام حقوق ‏الآخرين، وعدم اغتيال الشخصيات وتوجيه التهم للناس جزافا، حتى أصبحت ‏الصورة الايجابية عن حماة الأوطان وبُناتها مشوهة وقاتمة، فالسلطة التي كانت ‏مطلقة في أيديهم قبل الربيع العربي استثمروها لخدمة البلاد والعباد، باذلين في ذلك ‏أقصى الجهود ولم تثنهم الصعاب عن تحمل مسؤولياتهم بكل اقتدار وأمانه.‏ ‏ فهذه الصورة النرجسية التي رأوا أنفسهم عليها، كنا أيضا مرغمين أن نراها كما ‏رأوها، ولكن أتاهم الربيع العربي من حيث لم يحتسبوا، فذهبت الرهبة وكسر حاجز ‏الخوف واختُرق جدار المحذور، وما عادت الخطوط الحمراء سقفا للتعبير، فبدأت ‏تتكشف الحقائق المدفونة في الصدور، وبدأ المخفي بالظهور إلى العلن، والمصيبة أن ‏الأشخاص الذين كانوا يتقلدون أعلى المناصب بالدولة، تبين أنهم هم تجار وسماسرة ‏بيع الوطن مصدر ذل أهله وهوانهم.‏ ‏

 فلو لم يكن للربيع العربي غير كشف حقيقة كثير من مسئولي البلاد، وكشف ‏دسائسهم ومكائدهم بحق الشعوب لكان كافيا، فشعوب ترزح تحت الفقر ورؤساء ‏تتكدس في حساباتهم المصرفية المليارات، ومدراء مؤسسات أمنية برعوا بالتزوير ‏وإبرام الصفقات المشبوهة لحسابهم متاجرة بالأوطان والشعوب، ورؤساء وزارات ‏ووزراء وسفراء ونواب واعيان وكبار الموظفين برعوا بالتمثيل على الشعوب فمنوا ‏بواجبهم الرسمي عند تأديته على الشعب الذي كان يرضى بالقليل ولا يستطيع أن ‏يطالب بحقه الذي كان يسرق جهارا نهارا.‏

نعم الربيع العربي طريق للحرية ولكن يجب أن يُعلم بأن الربيع العربي سيكون مطية ‏لمن يمتطي فالدول الكبرى صاحبة المصالح ستزرع من يحافظ على مصالحها ‏والحكام المجتثون وأعوانهم سيزرعون من يسترهم والمتنفذون وأصحاب الأهواء ‏سيزرعون من يخدمهم والمواطن المسكين سيجد نفسه بعد حين انه خرج من الثورة ‏كما دخلها أول مرة.‏ ولكن بنظرة أكثر تفاؤلا بالربيع العربي تجد انه اسقط عروش الطغيان وهزم الفساد ‏وكشف الخونة وأدا إلى تغيير يجعل للشعب إرادة تحترم ويحسب لها حساب ومن ‏الطبيعي جدا أن فساد عقود سيحتاج زمن كافي لتستقيم الأمور وتصلح الأحوال ‏فالصبر عنصر مهم لكسب المعركة ولكن يجب أيضا أن يجاريه إصرار على ‏الإصلاح لا تفتر له همة ولا يتراجع له عن موقف.‏ ‏ فعلى الشعوب تفويت الفرص على المتحينين لها، بعقلانية قراراتهم، وتدبير ‏شؤونهم بموضوعية وانسجام، وتقديم الصالح العام على المصالح الفئوية والشخصية.‏ ‏ أما تجار الأوطان ومن يدور في فلكهم، من الفاسدين الذين لم تكشف أوراقهم ‏بعد، فعليكم التخلي عن زرع الفتن في صفوف الشعب، والتحريض على التخريب ‏والتدمير لإفساد المجتمع، فكفاية أننا لم تبقى لنا أية ثقة بكل من تقلد مهمة رسمية ‏كبيرة في البلد، فأفضل من نظن به خيرا منكم، نكتشف انه اكتسب أو أكسب غيرة ‏مصلحة ما على حساب وطنه وشعبه عندما كان على رأس عمله فحتما أن يد العدالة ‏ستصل إليكم وما كان اليوم تشهير سيكون غدا إثبات لجرم بالدليل.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد