مرت التجربة النيابية في الأردن بمراحل عدة، وكانت هنالك نقاط قوةٍ وأخرى خمول في الحياةِ النيابية والديمقراطية. وفي هذهِ المقالة سوف أتطرقُ للحديثِ عن التجربة النيابية والديمقراطية منذ تأسيس الدولة الأردنية حتى وقتنا الحاضر.
في بداية عهد الإمارة، قررَ الأميرُ عبدالله الأول –رحمه الله– تشكيلُ أول مجلسٍ نيابي أُطلق عليه "مجلسُ الشورى", وقد صدرَ أولُ قانونٍ للانتخابات النيابية في عامِ 1924 في ملحقٍ للجريدةِ الرسميةِ عدد (52). وتعدُ هذهِ المحاولة أول المبادرات في الإصلاحِ السياسي. وقد عانى هذا المجلس من الكثير من جوانب القصور كونه لم يعبر عن مظاهر الحياة النيابية والديمقراطية بمضمونها الحقيقي المتكامل, وقد قطعت الحكومة شوطاً في الاستعداد للانتخابات، ولكن انتقاص الاستقلال في شهر آب 1924 قضى على فكرة الانتخابات النيابية، إلا أن هذه المحاولة كانت المقدمة لإنشاء أول مجلس نيابي منتخب.
بقي مجلس الشورى يعمل حتى عام 1927 وتركزت جهود الأمير عبدالله الأول –رحمه الله– نحو تدعيم الحياة السياسية وصياغة دستورٍ للإمارة. ولكن بريطانيا كانت تضع العراقيل أمام الأردن لإخضاعه إلى الاتفاقيات والمعاهدات التي تعودُ بالفائدةِ لبريطانيا.
وفي أوائل تشرين الثاني 1926 شكلت الحكومة لجنة لإعادة النظر في قانون الانتخاب، وغُيب الموضوعُ حتى عام 1928 حيث جرى بعض التعديلات على قانون الانتخاب، بسبب معارضة الوطنيين، وفي عام 1929 أُجريت الانتخابات، وانعقد المجلس التشريعي الأول يوم الثلاثاء 2 نيسان 1929 وكان قد تأسس عدد من الأحزاب الأردنية في ذلك الوقت. وقد تأسس أول حزب في الأردن وهو (حزب الشعب الأردني) في آذار 1927، تلاه عدة أحزاب منها (حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني)، الحزب المعتدل، وحزب التضامن الأردني، وحزب اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشعب الأردني العام.
وبتاريخ 9 شباط 1931 صدر قرار حكومي بحل المجلس التشريعي الأول. واستمرت عملية انتخاب المجالس التشريعية بصورة منتظمة كل 3سنوات، وهي مدة المجلس الدستورية، باستثناء المجلس التشريعي الرابع الذي مُدد له سنتان أخريان، وقد استمر هذا الوضع حتى عام 1946. وفي هذه المرحلة (1931-1946) تزايدت مطالب الشعب نحو تعديل أو إلغاء المعاهدة البريطانية، حيث لم تستجب بريطانيا لهذا الأمر بل ضيقت الحصار, والحريات, وتقيد الصحافة, وتعطيل الصحف داخل الإمارة. كما ازداد الوعي لدى الأردنيين في مجال الحياة النيابية, والسياسية, والديمقراطية, وأهمها فصل السلطات الثلاث وهي: التشريعية, والتنفيذية, والقضائية.
بعد استقلال الأردن 25/أيار/1946 حصلت نهضة كبيرة في الحياة السياسية والنيابية، وقد تم تعديل قانون الانتخاب, وزيادة عدد الاقضية المضمومة للمملكة لتضم:( عمان, الكرك, السلط, اربد, عجلون, جرش, الطفيلة, معان, مأدبا). وظهرت كتلٌ نيابية معارضة في تلك الفترة ويعد ذلك التطور الأكبر في إكمال وازدهار الحياة النيابية.
وقد تم انتخاب أول مجلس نيابي في 20 /10/1947، واستمرت الحياة النيابية إلى أن توقفت نتيجةً لظروفِ الاحتلال في الضفةِ الغربية, كما ظهر في تلك الفترة تواجد للأحزاب السياسية التي أدت إلى إفراز مجلس نيابي قوي, ونتيجة للمشاحنات بين الأحزاب والحكومة تم حل مجلس النواب عام 1951.
بعد استشهاد الملك عبدالله الأول, تولى بعدهُ ابنه الملك طلال-طيب الله ثراه- الحكم، وفي عام 1951 تم إصدار الدستور، وإجراء الانتخابات النيابية. ونتيجة لمرض الملك طلال –رحمه الله– تولى ابنه الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية.
والحقيقة أن العصر الذهبي للتجربة الديمقراطية الأولى في الأردن كان في السنوات الأولى التي تلت نفاذ هذا الدستور، وبالتحديد في الفترة من عام 1952 وحتى عام 1967، ولعل ذلك يبدو جلياً من خلال أبرز ما شهده الأردن في تلك الفترة من أحداث وممارسات لعل أبرزها:
إجراء انتخابات نيابية منتظمة اتسمت بالنزاهة والحرية.
تم تجسيد نظرية الفصل بين السلطات على صعيد الممارسة والتطبيق.
احترام أحكام الدستور والالتزام به من قبل الحاكم والمحكوم.
إكمال أكثر من مجلس دورته كاملة دون أن يتعرض للحل.
تسجيل التاريخ السياسي الأردني في تلك الفترة المرة الوحيدة التي تمكن فيه البرلمان من إسقاط الحكومة.
بلوغ دور وتأثير الأحزاب السياسية ذروته في تلك الفترة.
تمتع الصحافة بنوع من الحرية والاستقلالية قل نظيرها في السنوات اللاحقة.
وصول المعارضة السياسية إلى السلطة عن طريق الانتخابات.
استجابة النظام السياسي للضغوط الشعبية والرأي العام في أكثر من موقف حازم منها عدم الانضمام لحلف بغداد عام 1955، وتعريب الجيش الأردني وإلغاء المعاهدة البريطانية عام 1956، وتوقيع اتفاقية الدفاع العربي المشترك عام 1956.
وفي تلك الحقبة من تاريخ الأردن بدأ النظام السياسي الأردني يخطو خطوات متقدمة نحو الملكية الدستورية المقيدة، وهي المرة الوحيدة التي عاش فيها الأردن ديمقراطية حقيقية أو كاملة.
ولكن هذا التطور والاندفاع لم يدم طويلا, فقد شهدت المملكة تطورات عسكرية وسياسية مهمة في عهد الملك الحسين بن طلال -طيب الله ثراه-, فعلى الطابع العسكري حدثت حرب حزيران عام 1967, ونتيجة لذلك تم التأثير على الحياة البرلمانية والسياسية, وذلك بإيقافها بهدف منع البلاد بالدخول بأزمات داخلية.
تشكل المجلس الوطني الاستشاري في عام 1978 بطريقة التعين من الملك لمدة سنتين ليحل محل مجلس النواب, وكان له تقريبا نفس مهام مجلس النواب. وفي عام 1989 بعد انقضاء (22) عام من الركود النيابي والسياسي حيث أجريت الانتخابات النيابية بكل نزاهة وحيوية، وتم كذلك تعديل قانون الانتخاب ليضم مجلس النواب80 نائبا والأعيان 40 عين، وشهدت تلك الفترة نمو نيابي، وسياسي، وثقافي، واقتصادي.
وفي عام 1991م تم وضع الميثاق الوطني الذي عزز مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية فتم السماح حينها بتأسيس الأحزاب. وفي عام 1993م تم إجراء الانتخابات النيابية، وكذلك تم تعديل قانون الانتخاب( قانون الصوت الواحد) وتولدت قناعات بأهمية ما غيره المغفور له الملك الحسين ابن طلال– طيب الله ثراه– في اتجاه الدفة إلى المسارات الصحيحة. فبعد وفاة الملك الحسين ابن طلال–رحمه الله– عام 1999م تولى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين–حفظه الله ورعاه –سلطاته الدستورية فتم الانفتاح على عهد أزهر بحياة نيابة هادفة وواعية. ففي عام 2001م صدرت الإرادة الملكية السامية بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات تتمتع بمبدأ النزاهة والشفافية. فبدأت الحياة النيابية والسياسية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين– حفظه الله ورعاه – بالنهوض والتقدم وإتمام ما بناه الملوك السابقون من العطاء والفداء للوطن.
نلاحظ مما سبق أن الحياة السياسية الأردنية تمحورت في بداياتها حول بناء الدولة، وإلغاء المعاهدة البريطانية، وتدعيم الاستقرار، وتنظيم الحياة السياسية والأحزاب، وتثبيت الدولة وإعلان الاستقلال، وإصدار الدستور، وإطلاق مفهوم الحياة النيابية، وتطوير الحياة السياسية .
وبدأت بالتطور والوقوف والاندماج وحتى حازت على أعلى مراتب الإصلاح السياسي.
وتمحورت عوامل الوقوف السياسي والنيابي بعدة عوامل منها: عوامل دولية تمثلت بتحولات وتطورات سياسية في الدول الاشتراكية وعوامل إقليمية في مقدمتها قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين الضفتين وعوامل داخلية متعلقة بالأزمات الاقتصادية وحرب الخليج.
إن تلك التجربة السياسة والنيابية التي استعرضتها فيما سبق نادت لتلبية رغبة شعبية عارمة للتخلص من حالة التضييق على الحريات والكبت السياسي وتقييد الأرزاق بسبب الآراء والانتماءات المختلفة التي لا تزال مائلة في البلاد! كما أني أريد الإشارة بأن البرلمان في بعض تكويناته السابقة لم يستطيع أن يغير شيئا ملموسا لأسباب ذاتية تتعلق بتكوينه وأُخرى موضوعية تتعلق بطبيعة المرحلة.
وخلاصة الأمر أن مستقبل التجربة الديمقراطية في الأردن رهين بظروف إقليمية وخارجية واعتبارات أمنية أكثر منها ظروف محلية، إلا أن رغبات وتطلعات الشعب الأردني في حياة ديمقراطية رغبات قديمة ومتأصلة منذ نشأة الدولة الأردنية، وهي أيضاً منسجمة مع فلسفة الهاشميين في الحكم، وميل النظام السياسي الأردني إلى الوسطية، والتسامح والاعتدال واحترام حقوق وكرامة الإنسان. وإذا كانت الأزمات والمصاعب التي مرّت بها الدولة الأردنية قد أدت في أغلب الأحيان إلى إبطاء أو تقليص سقف الديمقراطية فإن ذلك لا ينفي حقيقة ضرورة مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، وإطلاعه على حقيقة الأوضاع ولاسيما في الأوقات العصيبة. فالانفتاح السياسي وتمتين الجبهة الداخلية وتعزيز الاستقرار السياسي يستلزم إجراء إصلاحات سياسية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية والتأكيد على حقوق وكرامة الإنسان, الأمر الذي يمكن النظام السياسي من مواجهة التحديات والعواصف السياسية، وترى الكثير من القوى الشعبية بضرورة إجراء تعديلات دستورية تعيد إلى الدستور توازنه المفقود، وتؤكد سمو أحكامه فهو قمة الهرم في النظام القانوني الأردني، وهو الأساس الذي يرتد إليه في النهاية مبدأ المشروعية. وقد يكون ميلاد دستور جديد في الأردن هو الخطوة الأولى نحو الإصلاح, وتعزيز الديمقراطية.