العشائرية كيف نريدها؟!

mainThumb

02-01-2012 07:12 PM

الدور الذي تقوم به العشائر هذه الأيام سلبا أو ايجابا لم تصنعه العشائرية، بل صنعته الحكومات المتعاقبة لغاية صناعة توازنات لم تكن في يوم من الأيام في صالح المواطن، بل هي التي أوصلتهم الآن إلى وضع لا يحسدون عليه، بحيث فقدوا وزنهم سياسيا واقتصاديا وقانونيا وحتى اجتماعيا... فلطالما سعى المواطنون جميعا إلى أن يكون لكل عشيرة ممثل في البرلمان وفي الحكومة، وقلما كان هذا الممثل يعني لهم شيئا إلا الاسم ومناكفة الآخرين!! وتمر من أمام عينيه وهو في البرلمان أو في الحكومة كل الممارسات التي أودت بالبلد وبالمواطنين، من استئثار فئة معينة قريبة من صنع القرار بالدخل القومي حتى وصل الأمر إلى بيع مقدرات البلد بشكل بشع وصفيق يشي باستهتار بالمواطنين بكل أطيافهم وخاصة العشائر الذين تخلوا عن بلدهم ومستقبله وانشغلوا بالتعلق بالمتنفذين ليوصلوهم لأدنى الوظائف أو المناصب القريبة منهم وتفرغوا للتناجش والتناحر على أتفه الأسباب..

أسوق هذه المقدمة ليس للتخلي عن العشيرة أو إبعادها عن المشهد بل لوضعها في حجمها الطبيعي وكيف يجب أن يكون ، بحيث تبقى تقوم بدورها الاجتماعي الحقيقي فالهدف من العشيرة اجتماعي بحت وهو التعارف بين الناس والتواصل الإنساني وحفظ الأنساب الذي يميز البشر عن سائر المخلوقات، ولا ترقى لأن تقوم بدور سياسي أو اقتصادي أو قانوني في بناء الدولة ولا تستخدم لهدم مقدرات البلد وتعطيل التقدم..

لا نريدها رباطا سياسيا، بسبب فشلها الذريع في التعاطي مع السياسة، إذ لم تتنبه إلا إلى الحضور كاسم فقط دون الفاعلية، ثم التناحر والتنافس الذي خرج عن إطاره في محاولة الحضور في المشهد السياسي والحضور فقط، ما خلق التقاطع والتدابر بين أبناء العشيرة الواحدة، حتى انحطت إلى التصادم في الجامعات على صغائر الأمور وغابت العقلانية التي طالما كانت شعارا يرفع وتتوشح به العشائرية...

ولا نريدها منهلا قانونيا لأنها أصبحت لا تحمل حلولا قانونية ولا تنفيذية لكثير من المشاكل المعاصرة، وإن ظهرت على السطح حلول تصيب غير الجاني، بل تجنت على الكثير من الأبرياء بربطهم بصاحب القضية التي تحدث، دون ذنب لهم فيها ولا يقرون لمن يرتكب الخطأ بخطئه، فشجعت المجرم على استسهال جريمته، وحمت السفيه قبل الحليم،... والغريب أن الحكومة التي تملك قانونا وأجهزة قوية لتنفيذه تخلت عن دورها لصالح هذا الإجحاف الذي لا يخدم إلا المنحرفين عن الجادة، فأقرت القتل بداعي الشرف حتى لو ثبت أن الشريف مخطئ واعتدى على حياة بريئة، وأجلت غافلين عن ديارهم وشردت أبناءهم مع أن المجرم معروف وألقت القبض عليه وسيقدم للقضاء، ومع ذلك أعطت للعشيرة الحكم بالتفريق والتهجير مع أن دورها الجمع لا التفريق وتخلت الحكومة عن دورها في رعاية الجميع.

نريدها تجمع ولا تفرق، نريدها تضبط السلوك لا تفلته على غير هدى ثم يتّبع الحليم السفيه، والعاقل الجاهل، والكبير الصغير ويتكلم الرويبضة الذي وجد الفرصة الآن مواتية ليعيش على آلام الآخرين!! وتعود جاهلية، الكل ينحاز إلى عشيرته عندما يبرق الشر وهم على قلوب متفرقة، يجتمعون على الشر لا على الخير، ويتجالدون في الجامعات على ناقة البسوس وعلى داحس والغبراء... ولسان حالهم يقول كما قال ذاك الجاهلي:

وما أنا إلا من غزية أن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد