إحقاقاً للحق قررت كتابة مقالي هذا بعد عزوفي المستمر عن الكتابة لما رأيته من جلد لعلمائنا الأفاضل المشهود لهم بالعلم والفقه وحسن السيرة السلوك.. والأخلاق العالية... ومحاولة اتهام هذه الدائرة الكريمة بإصدار الفتاوى السياسية والتشكيك بنزاهتها واستقلاليتها من قبل بعض الجهات أو الأشخاص.
لقد كنت ومنذ نشأة دائرة الإفتاء العام الأردنية مراقباً للفتاوى والبيانات الصادرة عن هذه الدائرة الكريمة وتطورها منذ عهد سماحة الدكتور نوح القضاة رحمه الله حتى يومنا هذا بريادة سماحة الشيخ عبد الكريم الخصاونة..
لا شك أن هذه الدائرة قد احتلت صداً واسعاً في نفوس الناس وحازت جل اهتمامهم في كثير من الأوقات بين معارض للفتاوى الصادرة عنها وبين مؤيد.. ولا شك أن هذا يدل على نجاح هذه الدائرة في الوصول إلى بيت كل مسلم في الأردن وخارجها خلال فترة زمنية قصيرة خاصة وأنها لا تزال دائرة ناشئة... ومن خلال قراءة تعليقات الإخوة القراء للفتاوى الصادرة عن دائرة الإفتاء العام فقد لاحظت تباين قوة الشد مع هذه الدائرة فحين يدعي بعض المعلقين عدم استقلالية دائرة الإفتاء العام من خلال اتهامها بإصدار فتاوى سياسية تصب في صالح الحكومة وهو الأمر الذي نفته الدائرة في بيان اصدرته سابقاً نرى معلقين آخرين يزعمون أن الدائرة بعيدة عن المعطيات والمستجدات التي تجري على أرض الواقع.. ويرى غيرهم أن الدائرة تصدر فتاوى قد تثير السخرية عند الناس بسبب موضوعها كفتاوى الحيض والنفاس وغيرها خاصة عند تركيز المواقع الإلكترونية عليها.
وقد وجدت بالتتبع للفتاوى الصادرة عن هذه الدائرة الكريمة.. أن الدائرة كان لها الدور الفاعل في الشارع الأردني من خلال الفتاوى التي أصدرتها مواكبة للتطورات التي تجري على الواقع... فقد أصدرت بياناً في حكم المظاهرات وإباحتها بشروط معينة... وفي حكم الاعتصامات... كما أصدرت بياناً في حرمة تعيين المستشارين دون الحاجة لهم..
ومن خلال قراءتي للكتاب الإحصائي الصادر عن دائرة الإفتاء العام والاطلاع على أهم إنجازات الدائرة على المستوى الديني والدعوي فإنني أذكر بعضاً من إنجازات هذه الدائرة الكريمة:
أولاً: استقبلت الدائرة ما يزيد على ربع مليون فتوى في عام واحد وأجابت على أسئلتها. ثانياً: افتتاح مكاتب للإفتاء في شتى المحافظات والألوية في المملكة لبيان الأحكام الشرعية للناس. ثالثاً: إقامة الدروس وخطب الجمعة من قبل المفتين في مختلف مساجد المملكة. رابعاً: إقامة الندوات والمؤتمرات والمشاركة فيها من قبل المفتين بهدف بيان حكم الله تعالى وتوضيح بعض المسائل العالقة وإرشاد الناس في القضايا التي تهم المجتمع. خامساً: المشاركة في البرامج التلفزيونية والإذاعية في مختلف المحطات والإذاعات الأردنية. سادساً: المشاركة في المؤتمرات العالمية التي تهتم بشؤون المسلمين في العالم، وإرسال المفتين بجهود دعوية إلى كافة بلدان العالم لمتابعة شؤون المسلمين هناك. غير أن دائرة الإفتاء العام تواجه عدد من المشكلات التي تقف حائلاً بينها وبين وصولها للناس بالشكل المرجو منها... ومن هذه المشكلات:
أولاً: أن دائرة الإفتاء تقوم بالإجابة عن جميع الأسئلة التي تردها ثم تقوم بنشرها على موقعها الإلكتروني .. وتقوم المواقع الإلكترونية بانتقاء بعض الفتاوي التي قد لا تنسجم مع الظروف التي تهم الشارع الإسلامي.. مما يجعل الدائرة في مهب عاصفة من التعليقات والانتقادات التي لا ناقة لها فيها ولا جمل..
ثانياً: أن الأردن وهو بلد التسامح الديني والمذهبي يوجد على أرضه مختلف التيارات والاتجاهات والأحزاب الإسلامية مما يؤدي إلى أن تكون الفتوى مخالفة أحياناً لأتباع مذهب أو حزب معين.. أو أصحاب أيدلوجية معينة... ونظراً للثقة التي تحظى بها الدائرة في نفوس الشارع حيث بلغ عدد المستفتين والأسئلة الواردة إلى الدائرة خلال سنة واحدة ما يزيد عن ربع مليون سؤال شرعي وفق التقرير الإحصائي الوارد عن الدائرة فإن ذلك يورث بعض الغيرة في نفوس أتباع هذه المذاهب والأحزاب مما يؤدي إلى مهاجمتها أو إصدار المقالات الموجهة ضدها..
ثالثاً: معارضة فتاوى الدائرة لبعض المصالح الشخصية لبعض المتنفعين أو بسبب مخالفتها للعاطفة الشخصية لدى البعض من العوام مما يؤدي إلى مهاجمة الدائرة دون وعي ديني ودون حجة أو دليل.
رابعاً: ضعف الدور الإعلامي للجهات المعنية كالمواقع الإلكترونية والإذاعة والتلفزيون في نقل الفتاوى والبيانات الصادرة عن الدائرة والتي تهم المواطن الأردني. فلا بد من شكر علمائنا الأفاضل في دائرة الإفتاء العام على جهودهم الطيبة في بيان حكم الله تعالى للمسلمين... وعلى جهودها الدعوية التي استطاعت من خلالها إثبات وجودها خلال فترة زمنية قياسية واحتلالها مساحة واسعة في قلوب الأردنيين ونيل ثقتهم.. فكفانا جلداً لعلمائنا وطعناً في دينهم.. فإن لحوم العلماء مسمومة...