البُعد الاجتماعي للحراك

mainThumb

25-04-2012 12:04 PM

عندما يتحدث البعض من قادة الحراكات عن آثار هذه الحراكات فأنهم أول ما يقفزون إلى الآثار الاقتصادية حتى ينالوا ثقة مستمعيهم، فيذكّروننا بأن الحراكات هي السبب برفع الرواتب و كبح جماح الأسعار وخاصة أسعار المشتقات النفطية.  و لكن للأسف لا يذكر أصحاب هذه النظرية أسباب ارتفاع المديونية خلال هذه الحراكات بنسبة أعلى من باقي السنوات و ذلك لكثرة النفقات و قلة الدخل فالناتج ثابت أو ربما تناقص و النفقات بازدياد.

ربما تكون الفائدة الوحيدة أو الأكثر أهمية للحراك هو الوعي السياسي وهذه لا ننكرها، فأصبح الجميع يتحدث بالسياسة، فلا تكاد تجلس بمكان إلا و تثور قضية سياسية معينة يتحدث بها الجميع رغم أن بعضهم ربما لا يعرف عن القضية شيئا بشكل شخصي، و لكنه يتحدث من باب أنه من أصحاب العلم بالشيء وحتى يقال عنه سياسي. وخطورة هذا التوجه أن مثل هؤلاء إنما يشكلون الخامة المطلوبة للأحزاب فتوجهها كما تشاء وخاصة عندما يلمسون منهم صدق نواياهم و حُرقتهم على بلدهم فيعمد الحزب إلى تجنيدهم إن استطاع ليصحبوا جزءا من حراكه يوم الجمعة.
 
لكن أسوأ ما في هذا الأمر هو طغيان الجانب السياسي على الجانب الاجتماعي من تكوين الشعب الأردني، وهذا ليس وليد الساعة طبعا و يعمل عليه أصحاب التنظيم الأكبر منذ سنوات، فاستقوا بحبهم على أهم مكون من مكونات المجتمع الأردني وهو العشيرة؛  فضعف دور العشيرة ذات الحل والربط في يوم من الأيام و لم يعد لها نفس التأثير القديم؛ فاختفت شيوخ العشائر (الثقّالة) لصالح شيوخ جدد يطمعون بالظهور و ربما كانوا هم أنفسهم حزبيين؛ و نجحت هذه الأحزاب في قصر دور العشيرة على حماية أصحاب الحراكات باسمهم العشائري، إذا انتقلت الحراكات لحضن العشائر؛ و كذلك اقتصر دورها على الفزعة  لبعض أبنائها إن طالهم قانون العدالة فأصبحنا نرى اجتماع العشائر للتداول حول تغوّل السلطة على ابن لها متهم أو موقوف بتهمة فساد، أو تهم أخرى ما كانت العشير لتقبل أن تتحدث بها من قبل. 
 
كذلك و للأسف أيضا و كتمهيد للقفز فوق العشيرة فقد تم إقناع الشباب بأن هذا الجيل القديم (الذي يشمل آباءهم و أجدادهم) هم سبب كل هذا الفساد الاقتصادي و السياسي، فأصبح الابن ينظر إلى أبيه  متهما إياه بأنه هو سبب بيع الفوسفات أو ضياع البلد سياسيا واقتصادياً، و لهذا لم يجد الآباء أمامهم إلا النصيحة لأبنائهم و دفاعهم المستميت عن أنفسهم دفاعاً محكوما عليه بالرفض سلفا من أبنائهم. 
 
لذلك نتج عندنا شباب لا يؤمنون إلا بما يسمعون من الأحزاب على وسائل الإعلام المختلفة، و هذا شكل إلغاء لدور العشيرة أو دور العائلة أو اقتصارهما كما أسلف على دور الحماية؛ و ستكون الطامة الكبرى عندما يكون أفراد العائلة منتمين إلى أكثر من حزب، و هذا تكتيك آخر ربما سيظهر بالمستقبل القريب فتنشغل العائلة أو العشيرة بصراعاتها الداخلية بين أبنائها.  ومن يذكر الفترة ما بين 1967 و 1970 ريما يذكر كيف كانت العائلات ببعض مناطق البلد موزعة الأهواء بين فتح والصاعقة (سوريتها و عراقيتها) و بين الجبهة لتحرير فلسطين  (ديمقراطيتها و شعبيتها) إلى باقي الفصائل التي تعجز الذاكرة عن حفظها.  و سنصل إلى هذه المرحلة فهي ضرورة حتمية لما يجري الآن من نقاشات على الفيس بوك و غيره، فقناعات الناس تتغير، و الثقة ببعض الأحزاب القديمة تهتز و لهذا لا بد لكل حزب من الدفاع عن نفسه بعدة طرق أهمها اتهام الأطراف الأخرى من الحراكات و الأحزاب و ربما يكون من ضمنها من كانت شريكة له بالحراك بعد أن كان الاتهام حصرياً للحكومة فقط، وهذا يتطلب إتباع نفس أساليب الأطراف الأخرى بالهجوم؛ فكثيراً ما حدثونا عن البلطجية و السحيجة كنوع من البشر مأجورين للهجوم على الإصلاحيين، و لم يحدثنا أحد عن بلطجية الحراكات التي تهاجم غيرها من الحراكات، و نسمع بسحيّجة الحكومة و لم يذكر لنا احد شيئا عن سحيجة الحراكات، و أخيرا و ليس آخر موضوع القبّيضة الذي لم يعد يُذكر و لا أدري لماذا؟ هل لأنه سيفتح المجال للسؤال عن قبّيضة الحراكات ايضاً؟.
 
ومن الآثار الاجتماعية أيضا هو حب السيطرة على أي جلسة كانت أو نقاش يدور و بذل كافة السبل لذلك فأصبحنا نرفع شعار ( الرأي الآخر) ونمارس القمع الفكري على من حولنا، فازدادت عصبية الناس و اختفى مبدأ التسامح الفكري بين الجميع، و أصبح همّ الجميع هو أن فلانا هزم فلانا وربما تطور ذلك إلى عراك كما شاهدنا على شاشات التلفزيون.  فطغى الحديث عن الحراك على كل جلسة و لقاء سواء بلقاءات التعزية أو الأفراح أو ما إلى ذلك؛ لهذا يمكن أن يقال ما اجتمع أردنيان إلا و كان حديثهم عن حراك من الحراكات.
 
كذلك نشهد استقواء الحراك السياسي  على الجانب الديني، فلم يعد مقبولا من خطيب الجمعة إلا أن يكون سياسيا و باتجاه و احد؛ ولم يعد مقبولا من المفتي أن يفتي في شيء إلا بالسياسية؛ فإذا خطب خطيب الجمعة مذكراً بفرض من فروض الإسلام قيل (الشيخ وين و الناس وين)؛ و إذا سؤل المفتي عن قطرة الأذن برمضان أتحفنا أحد الكتاب بمقال باليوم التالي مذكرا سماحة المفتي بأن يرتقي إلى مستوى الحدث رغم أن سماحته يجيب على سؤالٍ لمتصل.
لهذا ظهر نمط اجتماعي جديد من الناس وهو نمط (سكّن تسلم) كما يقول اللغويون و أعني به فئة الأغلبية الصامتة التي تنظر إلى هذا الطرف فتقول و الله هذا الكلام الصحيح بارك الله بكم، و تنظر إلى الطرف الأخر فتقول و الله هذا الكلام الزين، سيروا و نحن معكم. 
 
وفي الختام أريد ألإشارة لظاهرة (خذ حقك بيدك) التي بدأت تظهر مع بدايات الحراك و نسمع بها بين الفينة و الأخرى لأقل الأسباب من إغلاق الشوارع و إشعال الإطارات للتغول على القانون، و للحقيقة يجب التوضيح أن هذه الظواهر ليست بسبب الحراك نفسه، و إنما استغلت أجواء الأمن الناعم الذي واكب الحراك.
 
كلنا نتمنى التقدم و الرفعة لوطننا الغالي و لكن يجب أن لا نقسُ عليه لتحقيق مكاسب شخصية بغض النظر عن نوعها حزبية أو شخصية.  فلنحافظ على هذا النسيج الاجتماعي الأردني نقياً طاهراً ليبقى الأردن دائماً أولاً.
 
Alkhatatbeh@hotmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد