عساكم من عواده

mainThumb

10-08-2013 04:25 PM

كنت أحدث صديقا مصريا في لندن عشية عيد الفطر، فسمعت ابنته من حوله تحادثه دون أن أعرف ماذا تقول، فنفر عن حديثنا المتجهم ليشرح لي أن طفلته تسأله رأيه في فستان العيد. وأضاف: «نحاول أن نصنع جوا فيه بهجة العيد، رغم كل شيء».

سمى العرب الأرض «المسكونة». لأن حيث لا بشر لا أرض. وكل أرض تتخذ اسم ساكنها: الصين، فرنسا، بريطانيا، بلاد العرب. وبلاد العرب هذا العام أشقى ما في المسكونة. لا أذكر مرحلة أقسى وأشد. هذه أول مرة مصر والعراق وسوريا معا في مغارة اليأس. ولست أدري صلاة أي عيد أدى الرئيس بشار الأسد ولا نوع التمنيات التي سمعها: عساكم من عواده، مثلا؟

كان أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد، يركب السيارة إلى جانب السائق، ويقوم في العيد بجولة على البيوت مهنئا، تسبقه ابتسامة لا يرسمها بل هي جزء معبر عن داخله. وعندما حاولوا اغتياله وقتل سائقه، صار في حاجة إلى موكب. وعندما عاد بعد التحرير كان قد فقد أبرز ما في معالمه: الابتسامة. الذين غيروا عادات الطمأنينة عند العرب، كانوا العرب. في السنوات الأخيرة صارت إعلانات الصحف في العيد تقول: «نعتذر عن عدم استقبال المهنئين نظرا للظروف الراهنة» بدل تحديد ساعات الاستقبال بالتهاني. العيد ذروة المودات والعرب في ذروة المنافرة والمناقرة والعداء. والرئيس الأسد قال إن سوريا في عيد، ألا تكفي على ذلك شهادة المفتي الدكتور أحمد حسون؟

قلوبنا أيضا على مصر. لا أذكر عيدا مر بها وهي في هذا الخوف. مهما كان وجلها في 1967 فقد كان مؤقتا. احتلال ويزول ذات يوم. لكن ماذا عندما يحتل المصريون مدنهم ويشلون بلدهم ويضعون مصر على حافة كل سوء محتمل، ولا يترددون. فوضى العقل والضمير والحس، وغياب أي مقياس خلقي في العلاقة بين الناس. الجريمة مفاخرة، والعدميات اعتزاز، واحتقار الحياة البشرية بطولة.

ارتكاب فظائعي في التحذير من الفتنة، كأنما ما نحن فيه افتتان. كأنما طلب الخلاص في كهوف أفغانستان هو أعقل الحلول وأسماها. كأنما الذي يسيل في سوريا منذ ثلاث سنوات ماء مالح وغبار.

إنهم يهدرون ما هو في أهمية الدماء والأرواح. يهدرون الزمن والمستقبل وكرامة الإنسان العربي. باسم من وماذا وبأي حق تحول مدن سوريا إلى ركام وحقولها إلى صحاري وأهلها إلى لاجئين ومدافن؟ وأي شرعية هي التي ستدمر مصر من أجل مرحلة سقيمة وضحلة في تاريخ الشرعيات؟ أليست مصر أغلى وأبقى؟

عيد مبارك في أي حال. ولا الظلم ولا الظلام ولا الظالم يدوم. سوف نفيق ذات يوم وقد أشرقت الشمس على العرب. وإلى كل صديق وعزيز في كل مكان أكرر محبتي وتمنياتي. عذرا عن التقصير المباشر.

 

(سمير عطا الله - الشرق الاوسط)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد