إسرائيل هي البوصلة

mainThumb

04-09-2013 05:12 PM

الأخبار التي أُشيعت عن إسقاط طائرة إف22 الأمريكية في شمال الأردن و4 صواريخ توماهوك بوساطة الدفاعات الجوية السورية ، حيث ذهب معظم المحللين على أنها عملية جس نبض من الأمريكان لمعرفة القدرات الصاروخية والعسكرية السورية وخاصة منظومة الدفاع الجوي ، والتي إعتبرها غالبية المحللين أيضاً سبباً رئيساً في إرجاء أمريكا للضربة وإعلان أوباما بأنه سيعود إلى الكونغرس الأمريكي ، فقد أظهرت الحادثة بأن سورية تمتلك صوارخ إس300 المحدثة أو صورايخ إس400 الروسية ، إضافة إلى إمتلاكه للسلاح الكيماوي وإمكانية استخدامه ، وعدم قدرة الأمريكان وحلفائهم من تحديد نوعية ردود الفعل التي ستنتج من النظام السوري وبأي اتجاه ، ومن منظور عسكري فإن الضربة التي أعلن عنها سابقاً إذا ما تمت ستكون نتيجتها الفشل وستكبد الأمريكان خسائر فادحة.
 
الرئيس الأمريكي وبعد هذه الحادثة قرر الذهاب إلى الكونغرس لأخذ الموافقة على عملية عسكرية والتي ستكون على الأغلب عملية واسعة وشاملة غير التي أعلن عنها سابقاً _محدودة وقصيرة_ أي ما قبل حادثة الإسقاط حتى لا يتحمل وزر التدخل الأمريكي القادم ، وإضافة تأييد شعبي سيتولى الكونغرس صياغته من خلال وسائل الإعلام ، وبالتالي فإن أمريكا تقوم الآن بوضع خطط جديدة غير التي كانت معدة سابقاً لتتناسب وطبيعة الظرف الجديد وتأكدها من إمتلاك سورية لـ مضادات جوية متطورة حصلت عليها من روسيا ، وهذا يتطلب إضافة إلى العمليات الجوية والقصف الصاروخي عمليات عسكرية برية واسعة ، سواء من الأردن أو تركيا لتشتيت العقلية العسكرية السورية وقدراتها الخططية القيادية حتى يصبح بمقدور الأمريكان تحقيق الجزء الأكبر من أهداف التدخل العسكري القادم ، حيث يتم خلال هذه الفترة إستغلال الوقت في تكثيف المشاورات مع أطراف عديدة لزيادة زخم المشاركة وإضفاء الشرعية عليه ، إضافة إلى تحسين تمركز القوات العسكرية البرية وزيادتها بشكل يناسب الخطوة القادمة التي من ضمنها السيطرة على الأسلحة الكيماوية السورية ، حيث أعلنت تركيا مسبقاً بأنها ستشارك في أي عملية عسكرية ضد النظام السوري مما يتيح لعمل عسكري بري من الشمال السوري باتجاه حلب وإدلب وربما الساحل ، ويبقى الجنوب الغربي المحاذي لإسرائيل وأهمية دخول قوات عسكرية برية إلى تلك المنطقة لحماية الكيان الصهيوني من ردود فعل النظام السوري ومن ثم التقدم نحو دمشق مروراً بدرعا ، ولكن يبقى التساؤل هل الأردن ستذهب إلى هذا السيناريو والاشتراك في عمليات عسكرية؟! أو السماح بإستخدام أراضيها لتنفيذ عمل عسكري قادم ضد النظام السوري؟! أم أن بوادر السماح بانطلاق عمليات من الأردن بدأت بالتكشف في ظل حادثة إسقاط طائرة إف22 وصواريخ توماهوك شمال المملكة؟!
 
ما تريده أمريكا من التدخل العسكري القادم مهما كانت طبيعته فإنه لا يخفى على أحد أن أول هذه الأهداف هو زعزعة تماسك القوات العسكرية السورية النظامية وإضعافها بالقدر الذي يسمح للمعارضة السورية المسلحة من تحقيق انتصارات ميدانية في الداخل السوري لفرض واقع جديد على النظام السوري والقبول بالرؤية الأمريكية لحل الأزمة السورية ، وبالتالي إرغام إيران على الدخول في تسوية ملفها النووي مع الغرب ، ومن ثم التسوية الشاملة للقضية الفلسطينية ، وهذا يتطلب إيصال كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات المتطورة للجيش الحرّ المناهض للنظام السوري حتى يقوم بتحقيق الواقع الذي تحلم أمريكا بفرضه على النظام السوري والمنطقة ، وكذلك بروزه كممثل لطيف واسع من المعارضة السورية وإضفاء الشرعية في ذلك ليكون الإتلاف السوري هو من يقابل النظام في أية تسوية قادمة أو بديلاً له ، بالإضافة إلى رضوخ الجماعات المسلحة الأخرى لهذا الواقع الجديد وانصياعها لمتطلبات المرحلة القادمة في القرار السياسي ومن ثم العسكري ، وخاصة الجماعات المرتبطة لقرار بعض الدول التي تسعى إلى إسقاط النظام السوري ، ولكن تبقى النتائج وأمنياتها غير مضمونة التحقق ذلك أن طبيعة النظام السوري ومكون سورية الديمغرافي والسياسي وطبيعة الصراع الداخلي وكثرة أطرافه التي معظمها مرتبط مع أطراف خارجية متناقضة فيما بينها في النوايا والمصالح سيؤدي حتماً إلى تقسيم الدولة السورية إلى عدة دويلات تتبع فرقاء الداخل طائفياً ومصالح الخارج والذي لا يخدم إلا إسرائيل في النهاية.
 
حادثة الإسقاط للطائرة إف22 وصواريخ توماهوك أرعبت إسرائيل كثيراً والذي جعلها تتخوف من تأجيل الضربة للنظام السوري وربما إلغائها بطريقة إلتفافية من خلال الكونغرس ، وهذا التخوف نابع من قدرة الجيش السوري على المقاومة لإمتلاكه أسلحة متطورة قادرة على تغيير موازين القوى مع دولة الكيان الصهيوني ، ومن هنا يكمن طرح أوباما وحلفائه بأن سورية غير أفغانستان والعراق وهي اللغة التي يخاطب بها صانع القرار الأمريكي وذلك لمدى خطورة القدرات العسكرية السورية المتطورة وخاصة منظومة الدفاعات الجوية التي ستلغي التفوق الإسرائيلي الجوي ، وبالتالي مستقبل أمن إسرائيل الذي سيكون سبباً رئيساً في إقرار الكونغرس للتدخل العسكري القادم ، إضافة إلى أن هذا التأجيل فتح المجال للنظام وجيشه بزيادة تحصين نفسه أكثر.
 
النظام السوري لا يختلف أحد على أسلوبه الحديدي واستبداده وحرمانه للشعب السوري كما غيره من الشعوب العربية من حقوقه الإنسانية في الحرية والكرامة والديمقراطية ، وكذلك لا يخفى على أحد أن الصراع في الداخل السوري ليس فقط بين معارضة موحدة واضحة في بوصلتها وتبعيتها الوطنية ونظام ، والأحداث المتسارعة تكشف لنا أن التباكي الغربي على الشعب السوري وحقه في الديمقراطية ودفاعه عن حقوق الإنسان هي حجج واهية لا تعنيها في حقيقتها ، وإلا ، لما أنتظرت كل هذه المدة وهذه السنين من عدم تزويد المعارضة بالأسلحة اللازمة لمجابهة النظام؟!
 
إن إطالة أمد الأزمة لهذه المدة الطويلة كان لواقع أن النظام السوري يشكل عبئاً كبيراً على أمن إسرائيل والشروط الأمريكية الإسرائيلية للتسوية القادمة للقضية الفلسطينية ، إضافة إلى تجلي الشكوك من امتلاكه لقدرات عسكرية كبيرة وخاصة منظومة الدفاعات الجوية والمنظومة الصاروخية المتطورة التي حصل عليها مؤخراً من روسيا ، بوصلة أي عمل أو تدخل من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين وبعض دول المنطقة بوصلته هي الحفاظ على أمن وديمومة الكيان الصهيوني من خلال الحفاظ على تفوقه النوعي وضمان بقاء الدول العربية المحيطة به بحالة من الضعف والتفكك والإنقسام ، وانسياقها للشروط الإسرائيلية_الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية ، ذلك أن إسرائيل أصبح من غير الممكن توسعها ولكن من الممكن تقسيم وإضعاف الدول المحيطة لضمان إستمرارية تفوقها وبالتالي سيطرتها على المنطقة مع تقادم الأيام.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد