ذِكْرُ الراهب في قصائد العرب
لقد جاء ذِكْرُ رُهبان النصارى في أشعار العرب ، وَذِكْرُهم يأتي في الغالب لأمرين :
الأول : في ذكر رسم الدار التي كانت موطنَ المحبوب ، فهم يُشَبِّهون بقايا الدار من رمادٍ ونُؤي بكتابة راهب على قرطاس .
الثاني : في ذكر مدى جمال المحبوبة وأنها الغاية في جمال الصورة والمنطق .
وكلامنا على الثاني ، فقد وصفَ الشاعر العاشق محبوبتَه بالجمال الفائق والبدر الطالع ... ووصف حديثَها بالشهد في شمعِه واللؤلؤ في سِلْكِهِ !
حتى أن هذا الجمال وهذا المنطق لو شاهده من عزف عن الدنيا وزهد في متاعها وسكن أعالي الجبال من أؤلئك القوم ( الرهبان ) لفتنه جمالُها وصبا بعد شيبه ووقاره !
وقد كَثُرَ ذلك في أشعارِهم حتى أصبحَ منهجا يسلُكُه الشعراء في قصائدهم ، وأصبحَ الآخرُ تابعَ الأوَّل لا يحيد عنه ، كأنَّ بينهم مواثيقَ تعاهدوا عليها !
وقد راق لي في هذا الباب أبياتٌ ذكرها البغدادي في ( خزانته ) لشاعر مخضرم عاش الجاهلية والاسلام وهو ربيعة بن مقروم الضَّبِّيِّ ، قال يصفُ فتاةً عربيَّةً ، جمالُها الغاية ، ومنطِقُها النُّوْبُ والحلواء :
1- شماء ُواضحةُ العوارضِ طَفْلَةٌ .... كالبدرِ مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ المُنْجَلِي
2- وكأنَّ فاها بعد ما طَرَقَ الكَرَى .... كأسٌ تُصَفَّقُ بالرَّحِيْقِ السَّلْسَلِ
3 - لو أنَّها عَرَضَتْ لأِشْمَطَ راهبٍ .... في رأسِ مُشْرِفَةِ الذُّرَى مُتَبَتِّلِ
4 - لَصَباَ لِبَهْجَتِها وطيبِ حديثِها .... وَلَهَمَّ مِنْ ناموسِهِ بِتَنَزُّلِ .
فالشاعر يذكر جمالَ أنف المحبوبةِ وأن به شَمَاً وهو ارتفاعه مع طول قصبة الأنف وهو من صفات الجمال في الأنف ، والشممُ من مُمَيِّزات العرب ، فقالوا : ( شُمُّ الأنوفِ ) .
ووصفَ عوارِضها بالوضوح ، والعوارض هنا إما أسنانها التي تبدو عند لضحك ، فهي خالية من لون الصُّفْرة ، بل هي شديدة البياض واضحة ، أو العوارض هي صفحة الخد ، فخَدُّها ناصح لا كُدْرَةَ فيه .
ثمَّ شبَّهها بالبدر المنجلي عن السُّحُبِ والطالع من بينها ، والبدر اذا كان طالعا من بين السحائب يكون أكثر وضوحا وصفاءً ؛ فلذلك كان شاعرُنا دقيقا في اختيار البدر في هذه الحالة .
ثمَّ جاء على وصفِ ريقها ، فجعله مثلَ الرحيق السَّلْسَلِ ، وهذا الرحيقُ السَّلْسَلُ حال ريقُها وقت استيقاظها من نومها ، وغالب الناس في هذا الوقت تتغير رائحة الفم عندهم ، فريقُها بهذا الرحيق في هذا الوقت الحرج فما بالُك في غير هذا الوقت المُغَيِّرِ لأفواه الناس ؟!
كلُّ هذه الأوصافُ لو رآها راهبٌ متقَشِّفٌ معتزِلٌ في صومعتِه في رأس مُشْرِفَةٍ ، لَصَبَا اليها ونزل من ناموسه .
وسَأُسَلِّطُ الضوءَ على البيتين اللذين فيهما ذِكْرُ الراهب .
قال الشاعر : ( عرضَتْ ) أي استقبلَتْكَ من غير قصد منكَ ، انما هي النظرة الخاطفة رغم ذلك أصابَتْهُ بسهم جمالها وحلاوة منطِقِها ، فكيف لو أمعَنَ النظرَ وأتبعَ النظْرَةَ أُخْتَها ؟!
وقال الشاعر : ( لأَشْمِطَ راهبٍ ) ، والشَّمَطُ هو مخالطَةُ الشيب لسواد الشعر من الرأس وغيره ، قالت العربُ : ( عجوزٌ شمْطاء ) أي خالط سوادَ شعرِها البياضُ من الشيب ، والانسان في هذا العمرُ يعزِفُ عن مَلَذَّات الحياة ؛ لأن الشيب وَظُهُوْرَهُ علامةُ الوقارِ وعلامة تَرْكِ الصِّبَا وملاعبِهِ .
وجمعَ لهذه الصفةِ اللاإرادية ( الشيب ) صِفَةٌ إرادية تكون من اختيار الانسان وهي ( الرهبنةُ ) ، فاجتمع الأمران ، وهما من أقوى الأشياء لِمَنْعِ المَرْءِ من سلوكِ دروبِ اللهو وما يُعَاْبُ من أجْلِهِ .
قال الشاعر : ( في رأسِ مُشْرِفَةِ الذُّرى مُتَبَتِّلِ ) ، وهذا الأشمطُ الراهب قد اعتزل الناس وتركَ دُنياهم ، وسكن صومَعَةً في رأس مُشْرِفَةِ وهي ( الجبل ) وما ارتفع من الارض ، فهو ( مُتَبَتِّلٌ ) أي تاركٌ للدنيا وملَذَّاتِها .
فهذا الراهب اجتمعتْ فيه الصفاتُ الخَلْقِيَّةُ كالشيب ، والارادة الاختيارية ( الرهبنةُ ) و ( التَّبَتُّلُ ) ونَأيُ المكانِ وبُعْدُه عن الناس ، إلا أنَّ هذه الأشياء التي اجتمعَتْ في هذا الراهب لَمْ تَكُنْ وِجَاءً لَه أمامَ جمال صورة المحبوبة ، وروعة منطقها !
فقد صَبَا لبهجَتِها ، وطيب حديثِها ، فكانت هذه المحبوبة تجمعُ أعظمَ أسلِحةِ الفتنةِ من جمال الصورة ، وروعة الحديث ، وهذا قَلَّما يَجْتَمِعُ لفتاةِ ، فقد تجدُ من حازتْ جمالَ الصورة ، وفقدتْ طيبَ الحديث ، أو ظفِرَتْ بطيب الحديث ولم تُرْزَقْ جمالَ الصورة .
فسلامٌ على العربيةِ أينما حَلَّتْ ، وأينما ارتَحَلَتْ !
باريس سان جيرمان يسحق ليفركوزن بسباعية تاريخية
ترامب: لا أريد اجتماعا بلا نتائج مع بوتين
7 أضرار صحية خفية للإفراط في تناول اللوز
المهـور تتقلـص: من 110 إلى 50 جراماً مقابل 5 آلاف دينار
الأمم المتحدة تطالب بتعزيز مساعدات الإيواء لغزة قبل الشتاء
لرحلة مثالية: دليل ذهبي قبل السفر وأثناءه وبعده
العدوان يلتقي الفائزين بجائزة الحسين للتطوع
انقلاب باص على عمارة بالبنيات دون إصابات .. صور
بعد 921 يومًا من التوقف .. مطار الخرطوم يعود للحياة
ماسك يهاجم مدير ناسا بسبب مهمة القمر
ترامب: السلام قائم وحماس مهددة إن خالفت الاتفاق
أربعون سيناتورًا يطالبون ترامب برفض ضم الضفة
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
وظائف ومدعوون للتعيين .. التفاصيل
الأردنية: فصل نهائي بانتظار طلبة شاركوا في المشاجرة الجامعية
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)
إحالة موظف في أمانة عمان للمدعي العام .. تفاصيل
إطلاق حزب مبادرة رسميًا لتعزيز العمل الحزبي وتمكين الشباب
أسعار الذهب محليا تسجل قفزة جديدة
الشارع المغاربي بين العود الأبدي والهدوء المريب