العربُ تمدحُ الكرمَ في الشتاء

mainThumb

13-12-2013 04:34 PM

لقد اكتسبَ العربُ قِرى الضيف من أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فهو أول من سَنَّ اقراء الضيفان في حادثة الملائكة واحضار العجل الحنيذ لهم .


وتشهدُ... كُلُّ الأممِ للعرب بهذه الصفة الحميدة ، حتى أنَّك تجد بعضَ الروائيين الأعاجم من روس وغيرهم يذكرون : ( هذا كَرَمٌ مَشْرِقي ) ويقصدون به العرب فهي بلادهم وَجِهَتُهم .

وقد مدح الشعراءُ الكرمَ والكُرَماء ونسجوا فيهم القصائد التي بَقِيَتْ مع الليل والنهار ؛ كَكَرم حاتم الطائي ، وكعب بن مامة ، ... وأعظمُهم كرما على الاطلاق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما جاءت الاحاديث في ذلك : ( يُعْطي عطاء من لا يخشى الفقرَ ) !

وجاء الاسلامُ مُدَعِّما لهذه الصفة الحميدة الرائعة : ( مَنْ كان يؤمنُ باللهِ واليوم الاخر ؛ فليكرمْ ضَيْفَهُ ) .

وبعد هذا الفرش لهذه المقالة ، أحْبَبْتُ أن أُظْهِرَ الزمان الذي يتغنَّى به الشعراء العرب في ايقاع ( الكرم ) فهم يكرمون في الصيف ، والربيع ، ... وتَظْهَرُ قمةَ الكرم وسخاءُ النفس في الشتاء حيثُ تَقِلُّ الأطعمة ، ويصبحُ الزمانُ أقشرَ لا لقمةَ ولا خبزةَ ، فمن تَكَّرمَ في هذه الأزمنةِ فهو الكريم ذو النفس المطواعة لهذه الصفة الرائعة .

سُئِلَتْ أعرابيةٌ عن الحرِّ والبرد ؟ فقالتْ : ( الحرُّ أذى ، والبردُ بُؤْسٌ ) !

والبؤسُ أعمُّ من الأذى لان الأذى لا يتجاوزُ مَطْرَحَه ؛ فلذلك قال تعالى عن دم الحيض : ( يسألونك عن المحيض قل هو أذى ) أي ، لا يتجاوزُ مكانه الذي هو فيه ، ومنه نستفيد أن لسعة العقرب لا تقتل ؛ لقول المصطفى : ( اقتلوا العقربَ ؛ فإنها لم تَدَعْ نبيَّاً إلا آذَتْهُ ) فَسَمُّها لا يجاوزُ لسْعَتَها وقرصتَها !


فعودا على قمة الكرم في فصل الشتاء لقلة المَؤونةِ وعُسْرِ الزمان ، فإنَّ المُتَتَبِّعَ للأدب العربي يجد أنهم يغنون بالكرم في هذا الفصل ، وَلِنُدَلِّلَ على ما نقول من أشعار العرب :

1-قالت خُناسُ – رضي الله عنها – في أخيها صخر :

وإنَّ صخْراً لوالينا، وسيِّدُنا .... وإنَّ صخراً إذا نَشْتُو لَنَحَّارُ .

2-قال الأخطل النصراني يمدحُ هَمَّامَ بن مُطَرِّفٍ التَّغْلبي :

فلو كان هَمَّامٌ من الجِنِّ أَصْبَحَتْ .... سُجُوْداً له جِنُّ البلادِ وَغُوْلُها .

جوادٌ إذا ما أَمْحَلَ الناسُ مُمْرِعٌ .... كريمٌ ، لِجَوْعاتِ الشِّتَاءِ قَتُوْلُها .

3-وقال طرفةُ بن العبد في هجاء عمرو بن هند :

إذا الرجالُ شَتَوْا ، واشتَدَّ أُكْلُهُمُ .... فأنتَ أبيضُهم سِرْبَالَ طَبَّاخِ .

فهو يهجوه بأن ثيابَه بيضٌ في الشتاء ؛ لعدم معالجة القدور والطبخ للفقراء والضيفان .

وقد ذكر المؤرخ النَّسَّابةُ ( تقي الدين المقريزي ) في رسالته ( البيان والإعراب عَمَّن في أرض مصر من قبائل الأعراب ) (133) :

( وكان هيا بن علوان بن علي بن زيين بن حبيب بن نائل من هلبا جوادا كريما ، طرقَتْهُ ضيوف في شتاء وليس عنده حطب يَقِدُه لطعامهم الذي أراد أن يصْنَعَهُ لهم ، فأوقدَ أحمالاً من بُنٍ كانت عنده ...) .

وقال المقريزي ( 130 ) :

( وكان من بني سويد الأمير المقدم زين الدولة طريف بن مكنون أحد الكرام من أكبر الأمراء الجذاميين بمصر ، كان في مضيفِهِ أيام الغلاء اثنا عشر ألفاً تأكلُ كلَّ يوم ، وكان يهشمُ الثريدَ في المراكب ) !

وأيام الغلاء في الغالب زمن الشتاء لِشُحِّ المُؤَنِ عند الناس .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد