شمست شميسة

mainThumb

14-12-2013 01:47 AM

....حينما ألفى الإنسان نفسه مقذوفا به -- وجها لوجه -- في طبيعة قاسية متبدلة متقلبة , خاف وارتعب ......فأخذت تلك اللحظات المرعبة في تشكيل وصياغة جهازه العقائدي , الذي تم تلقيحه وتنقيحه وتوارثه باستمرار ...........راقب الشمس , وامتنَّ لفضلها مثلما فعل للقمر ......كان يخشى كلما خالفت الطبيعة عادتها , حتى ألِف تغييرها واختلافها ...........لكن اللحظات الأولى التي توارثها , سكنت لاوعيه , وأقامت في عقائده وطقوسه وأساطيره

خشي غياب الشمس ليلا -- وهي من تؤانسه في وحدته ووحشته -- لكنه اطمأن عندما عادت صباحا ....ثم خشي غيابها شتاءً في ليل موسمي طويل ....تبلغ الشمس أبعد ما يمكن لها عنا --هنا--في هذا الشهر 1221......في انقلابها الشتوي المعروف , خشي الإنسان ألا تعود , وأن يفتقد أنيسه الشمس , ويفتقد معه روزنامة آماله وهواجسه وعقائده , التي شيدها بمعية أنيسه ....وإذا به يتفاجأ بعد اربعة أيام 1225...بعودة الأنيس الحبيب , ليدشن ميلادا له وللكون في عود وعيد أنيسه --الشمس -- , ليقيم معه ما بقي من السنة حتى العيد الآخر ...!!..ألم يغنِ بطلوع الشمس من بين الغيوم " شمست شميسة "....!!!.

.....الأديان __المسيحية وغيرها --هي مكثف علاقة الإنسان الجدلية مع الطبيعة ومصاهرته لها ....من هنا كان عيد الميلاد بكل تقاويمه ...وما هي الأيام الثلاثة لقيام المسيح إلا غيبة الشمس ثم رجوعها ....وما أربعينية " مربعانية " الشتاء إلا أربعينية المسيح , وأربعينية الحسين , وأربعين بعثة النبي , وأربيعينية المولود والنفساء معا , وأربعينية الميت , والرجل يبلغ أشده في أربعينيته , وكل عدد أربعين مقدسا ....الخ .....كل ذلك في تواشج ترميزي لاواعي يعبُر عقائد الإنسان , ليسقطه على موضوعاته وأشيائه ....!!!

 هنا , في أم قيس , يتم دفن العام المنصرم--في هذا الشهر -- عبر دفن الحبوب في رحم الأرض , بعد أن جهزت الأرض العروس نفسها ( أرص , عَرَصَة , عروس , عرس , غرس )...بالتساوق مع دفن الشمس , وإعادتها مع عامها المقبل ( العريس , المولود الجديد )...ليلقح( ينكح ) بيوض رحم الأرض ( العِرض )التي حرثها ( نساؤكم حرث لكم ) وفلحها بغرسها وبذرها ....بانتظار مرور الأربعينية , مدة دفنها وخلقها , .....كل ذلك توارثه "لاوعي" الفلاح , وصانه في دينه وعقيدته وطقسه, وخشي أن ينساه ......ألم يسقِ قبره بالماء ويزرعه أملا بالحياة ...؟؟!!....ألم يسمِّ مقبرته " ميجنة "...(جنة وجنين ) وتربة ....؟؟!!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد