وَفَاء الجُذامي لِجَرْعاء ( مَيْ )
لقد أحببْتُ الأدبَ العربي منذُ نعومة أظفاري ، ولم أُدِرْ وجهي لسواه ، فلا الحداثةُ تغريني ، ولا هذيانُهم يُصْبيني ، عكفتُ على القديم حتى نهلتُ منه وَارْتَوِيْتُ ، عشقتُ نخيلَ ال...عربِ ، وأبغضتُ نخيل الافرنج ، وأوَّلُ شاعرٍ رافقتُه بُرْهَةً من الزمن ( هُدْبَةُ بن خَشْرم العذري ) ، وقصتُه مع ابن عمِّه زيادة والنِّهاية المأساوية لهذا الشاعر الرقيق الذي خانه الدَّهرُ ، فَتَلَطَّخَتْ يداه بدم ابنِ عمِّه زيادة ؛ فكان الحبسُ والقصاصُ ، فقال وهو في حبسه :
عسى الكربُ الذي أَمْسَيْتُ فيه
...... يكونُ وراءَهُ فَرَجٌ قريبُ
فَيَأْمَنُ خائفٌ ، وَيُفَكُّ عانٍ
...... وَيَأْتي أَهْلَهُ النَّائي الغَرِيْبُ .
وهو يُبَرِّءُ نفسَه من البِدّءِ بالشَّر مع ابن عَمِّهِ زيادة ، فيقولُ :
ولستُ بِمِفْرَاحٍ إذا الدهُر سَرَّنِي
................. ولا جازعٍ من صَرْفِهِ المُتَقَلِّبِ
ولستُ بباغي الشَّرِّ ، والشَّرُّ تاركي
.................. ولكنْ متى أُحْمَلْ على الشَّرِّ أَرْكَبِ .
هذه بداياتي مع الأدب العربي ، ثُمَّ مالتْ رِكابي إلى صاحب مَيٍّ طَوَّافَ الصَّحاري ، نَعَّاتَ الدِّمَنِ والأَثافي ، غيلان بن عقبة ( ذو الرُّمَّة ) ، الذي كان الأصمعي يقدِّمه على الشعراء !
ووفاءً لِغيلان عَزَمْتُ على الذَّبِّ عن بيتٍ له ، جعله بعضُ النقَّاد مَضْرَبَ الإساءة والمُغالطة ، وما دَرَوْا أنَّه واسطةُ العِقْدِ ، وَقُرْطُ مارية ...
والمُسيئون لبيت غيلان يجعلونه من الابيات التي خَلَتْ من ( الاحتراز ) ، وفي مقابِله بيتُ طرفة بن العبد الذي راعى الاحتراز والحذر ، ولِنَذْكُرْ قول طرفة أوَّلا ، ثم نشرع في بيت غيلان ، قال طَرفةُ بن العبد في ديار محبوبَتِهِ داعياً لها بالسُّقْيا :
فَسَقَى دِيَارَكِ – غَيْرَ مُفْسِدِها –
..... صَوْبُ الَّربيعِ ، وَدِيْمَةٌ تَهْمِيْ
فطرفةُ احترزَ عندما دعا بالسُّقْيا لدار المحبوبة ؛ بوضع عبارة ( غير مفسدها ) حتى لا يكونَ المطرُ خراباً وغرقاً ، فَضَمِنَ لها السَّلامةَ بهذا الاحتراز ، مع أنَّ صوبَ الربيع لا يُفْسِدُ ، وكذلك ذِكْرُ الدِّيْمةِ وهي السحابةُ التي تُنْزِلُ مَطَرَها بشكل خفيف دائمة ، وفي الغالب لا يُصاحِبُها فسادٌ ولا مَكْرُوْهٌ .
وانهالَ النَّقْدُ على بيت غيلان وجعلوه مَضْرَب الخَطَلِ والعيبِ ، حتى قال أبو هلال العسكري عنه في ( الصناعتين ) ( 435 ) :
( فهذا بالدُّعاء عليها ، أَشْبَهُ منه بالدُّعاء لها ؛ لِأنَّ القَطْرَ إذا انْهَلَّ فيها دايماً فَسُدَتْ ... ) !
وبيتُ غيلان هو :
ألا يا اسْلَمِيْ يا دارَ مَيٍّ على البِلى
.....
ولا زالَ مُنْهَلَّاً بِجَرْعائِكِ القَطْرُ .
وقد غاب عن العسكري ومن سلك مسلكه في عيب هذا البيت ، أنَّ بيتَ غيلان في السَّلامة أمتنُ وأحرزُ من بيت طرفة بن العبد ؛ وذلك لِأسبابٍ :
أنَّ غيلانَ قَدَّم الدُّعاء بالسَّلامة في أوَّل البيت ، ثم بعد ذلك ذكرَ انهلال القطر ، فالسَّلامةُ سابقةٌ ومقَدَّمةٌ بل من شِدَّة حرص غيلان على سلامة ديار مَيٍّ من فساد الامطار ؛ أقْحمَ الفعلَ ( اسلمي ) بعد حرفِ النِّداء ، ونحن نعلم أنَّ حروفَ النداء من خصائص الأسماء . وماذاك منه الا لِتَفَطُّنِه وتحَرُّزِهِ ألا يُصيبَ دارَ المحبوبةِ عَطَبٌ أو فسادٌ .
وكذلك بدأ غيلانُ بحرف الاستفتاح و التَّنبيه ( ألا ) الذي يكون فيه شيءٌ من التَّنْبيه و الحذرِ .
وَذِكْرُ ( الجرعاء ) فيه أيضا لَمْحَةٌ بالسَّلامة ؛ لأن الجرعاء هي ( رابيةٌ سَهْلَةٌ لَيِّنَةٌ ) وقال أبو عمرو : الجرعاء : مرتفعٌ من الرَّملِ مُسْتَوٍ ، وما كان مرتَفِعاً فلا خوفَ عليه من الغرق والفساد ، فقد كان البدو إذا نزلوا الأماكن في الشتاء يبتعدون عن الأودية التي هي مظنة السيول العاتية بل ينزلون في رابية تحميهم من الغرق والبلل .
وقد تفاءلَ العلَّامةُ اللغويُّ الجواهري بهذا البيت الذي حوى السَّلامة ؛ فجعله خاتمةَ كتابه العظيم ( الصَّحاح ) .
وبهذا نكونُ وفينا لغيلانَ وبيته :
ألا يا اسلمي يا دارَ مَيٍ على البِلَى
..... ولا زالَ مُنْهَلَّاً بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ .
باريس سان جيرمان يسحق ليفركوزن بسباعية تاريخية
ترامب: لا أريد اجتماعا بلا نتائج مع بوتين
7 أضرار صحية خفية للإفراط في تناول اللوز
المهـور تتقلـص: من 110 إلى 50 جراماً مقابل 5 آلاف دينار
الأمم المتحدة تطالب بتعزيز مساعدات الإيواء لغزة قبل الشتاء
لرحلة مثالية: دليل ذهبي قبل السفر وأثناءه وبعده
العدوان يلتقي الفائزين بجائزة الحسين للتطوع
انقلاب باص على عمارة بالبنيات دون إصابات .. صور
بعد 921 يومًا من التوقف .. مطار الخرطوم يعود للحياة
ماسك يهاجم مدير ناسا بسبب مهمة القمر
ترامب: السلام قائم وحماس مهددة إن خالفت الاتفاق
أربعون سيناتورًا يطالبون ترامب برفض ضم الضفة
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
وظائف ومدعوون للتعيين .. التفاصيل
الأردنية: فصل نهائي بانتظار طلبة شاركوا في المشاجرة الجامعية
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)
إحالة موظف في أمانة عمان للمدعي العام .. تفاصيل
إطلاق حزب مبادرة رسميًا لتعزيز العمل الحزبي وتمكين الشباب
أسعار الذهب محليا تسجل قفزة جديدة
الشارع المغاربي بين العود الأبدي والهدوء المريب