بحث في صفات و خصائص السياسة الشرعية

mainThumb

09-02-2015 08:24 PM

 المعنيون بالسياسة الشرعية هم العاملون لعودة الحياة الإسلامية من أفراد و أحزاب و منظمات و حكومات .


       أهم صفات هذه السياسة أنها :


( أ): شرعية ؛ أي تنتسب إلى شريعة الله سبحانه ، فهدفها مقدس ؛ و هو حماية الشريعة الإلهية أن تنحى او يتجاوز عليها ، و عرضها على الناس كما أمر الله تعالى . و بالتالي ؛


(1) : هي سياسة وسائلها مقدسة لا مدنسة ، و ذلك بالوضوح و الشفافية قدر المستطاع ، و عدم التلون و المداهنة قال تعالى  ودوا لو تدهن فيدهنون )القلم -9 ؛ فلا يكون للسياسي الشرعي إلا وجه واحد يمثل الوجهة الشرعية في الموالاة و المعاداة يراه كل الناس ، و إن تغيرت مواقفه السياسية (التكتيكية) بحسب الأحوال قوة أو ضعفا ، و قدرة أو عجزا   قال تعالى : ( و لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ، فلا تطع الكافرين و جاهدهم به جهادا كبيرا ) الفرقان -51و 52 ، و بطهارة الألسن و القلوب و الجوارح ؛ و عدم تدنيسها بفاسد القول و العمل ، و برديء المقاصد . و يظهر هذا  عند مواطن الاختلاف بين السياسيين الشرعيين أنفسهم ، و بينهم و بين سواهم من المسلمين ، و حتى تجاه الكفار المحاربين يجب ألا ينحدروا بمستوى الشعار الذي يرفعون . قال صلى الله عليه و سلم : ( ليس المؤمن بالطعان و لا اللعان و لا الفاحش و لا البذيء )أخرجه الترمذي  .


 (2) : و هي سياسة تتسم بالاستقامة و الاعتدال و النزاهة و تعظبم شعائر الله . قال الله تعالى : ( فلذلك فادع و استقم كما أمرت و لا تتبع أهواءهم ....الآية ) الشورى - 15 ، و قال : ( ذلك و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) الحج - 32 .


 (3) : و هي سياسة مؤمنة بالله تعالى و بالغيب ؛ من قبيل ان الله ينصر الفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكثيرة بإذنه ، و أن الملائكة يمكن ان تتنزل بأمر الله نصرة للمؤمنين . لكنها مع إيمانها تأخذ بأسباب النصر و التمكين .
 قال تعالى : ( الم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون . و الذبن يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و بالآخرة هم يوقنون . اولئك على هدى من ربهم و اولئك هم المفلحون ) .
و إن من صفات السياسة الشرعية أنها :


(ب) : سياسة حكيمة ؛ فهي ؛


(1): مرنة ؛ غير متجمدة على ظواهر النصوص الشرعية و الفقهية و المواقف و الأحداث السابقة ؛ و إن كانت تستفيد منها و تستنير بإرشادها من غير ما مغالاة و لا جفاء ، قال عليه الصلاة و السلام : ( رحم الله امرأ وعى مقالتي فأداها كما سمعها ، فرب مبلغ أوعى من سامع ) .


و هي :


(2) : مراعية الموقف الراهن بتفاصيله الظاهرة و الباطنة ، و مدركة فقه الواقع بسائر أبعاده المبدئية و المتغيرة . قال تعالى : ( و كذلك نفصل الآيات و لتستبين سبيل المجرمين ) الأنعام -55 ، و  من السيرة ؛ وجه عليه السلام أصحابه في مرحلة ما بالهجرة إلى الحبشة و قال : ( إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد ) .


و هي سياسة :


 (3) : بعيدة النظر ، ناظرة في آثار الأقوال و الأفعال في الحال و في المآل . و إن السيرة النبوية حافلة بالشواهد لهذه الصفة ؛ من أجلاها قصة صلح الحديبية .


 كما أنها سياسة :


(4) :  توازن بين المصالح و المفاسد ، و تميز بين المنافع و المضار ، و تختار الأصلح في حماية الأمة و الملة ؛ لكن دونما تضحية بالمبادئ الثابتة تعكر نقاء صورة الإسلام ، و دونما انتقاص من معانيه العالية و قيمه الجميلة . و هذا ممكن مقدور عليه حتى في شائك المسالك . و قد مارس النبي صلى الله عليه و سلم السياسة الشرعية من لدن البعثة حتى الممات و ما دنس صورة الدين و لا الشريعة بقول أو عمل و لا بنية ، و ما نقض مبادئه ، و ما خرق القيم النبيلة و لا انتقص منها ، مع أنه و أصحابه اختبروا ظروفا سياسية مختلفة و دقيقة في كثير من الأحيان . فالمقاربة من شأنه صلى الله عليه و سلم واجبة . و إن الشواهد من السيرة على هذا المعنى - موازنة المصالح و المفاسد- أكثر من ان تحصر .


كما أن من صفات السياسة الشرعية أنها :


(ج): سياسة واقعية ؛ فليس للخيالات و الأحلام و الأوهام و التنطع فيها مكان . قال تعالى : ( يا أيها الناس لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، و إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها و الله غفور حليم ) المائدة-101 ، و قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( دعوني ما تركتكم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم ....الحديث ) البخاري .


كما أنها


(د) : سياسة رحيمة بالمسلمين و إن كانوا بغاة ، و بغير المسلمين ما لم يكونوا محاربين . قال الله تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة - 128 .


و هي سياسة


 (ه) :  أمارة بالمعروف ؛ نهاءة عن المنكر ،


لا تخشى في الله لومة لائم . عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يحقرن أحدكم أن يرى أمرا لله فيه مقال ، فلا يقول فيه ، فيقال يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا و كذا ؟ فيقول : مخافة الناس . فيقول الله (إياي أحق أن تخاف ). ) رواه ابن ماجة و أحمد و ابن حبان .


 (و) :كما انها سياسة تحترم المواثيق  و المعاهدات ما لم تنطوي على ما يخالف الشريعة ، أو على ظلم . عن النبي صلى الله عليه و سلم في حلف الفضول : ( لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ؛ ما أحب أن لي به حمر النعم . و لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت ) فقه السيرة ، و قال الألباني عنه : سند صحيح لولا انه مرسل ، و له شواهد صحيحة .


 و أخيرا ؛ هي سياسة


(ز) : رضائية ؛ لا تفرض وصايتها على المجتمع إلا برضائه . قال تعالى : ( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ؛ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، و من ضل فإنما يضل عليها ؛ و ما أنا عليكم بوكيل ) يونس - 108 .

وفق الله المسلمين إلى ما يرضيه و يصلح حالهم . و الحمد لله رب العالمين .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد