طائِرُ ( الصَّدى ) في أشعار العرب

mainThumb

04-04-2015 03:44 PM

جاء ذِكْرُ ( الصَّدى ) في أشعار العرب ، ويقصدون به ( طائرا ) يخرجُ من رأس القتيل ينادي : ( اسقوني ، اسقوني ؛ حتى يُؤْخَذُ بثأرِه ) ، وبعضُهم يطلق عليه : ( الهامة ) ، وجاء النهيُّ عنها في الإسلام ، جاء في الصحيحين : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  - صلى الله عليه وسلم  - أنه قال:  ( لا عدوى ولا هامة ولا صفر ) ، فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها ؟ فقال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - : ( فمن أعدى الأول؟! ) .

والهامة جاء تفسيرُها : طير معروف تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل ، فإن هذه الهامة تأتي إلى أهله وتنعق على رؤوسهم حتى يأخذوا بثأره ، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه تكون بصورة الهامة ، وهي نوع من الطيور تشبه البومة أو هي البومة ، تؤذي أهل القتيل بالصراخ حتى يأخذوا بثأره ، وهم يتشاءمون بها فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت قالوا : إنها تنعق به ليموت ، ويعتقدون قرب أجله وهذا باطل.

وقد جاء في أجمل أشعار توبة بن الحُمَيِّر في ليلى الأخيلية :   

ولو أنَّ ليلى الأَخْيَلِيَّة سَلَّمَتْ
..... عليَّ ، ودوني جَنْدَلٌ وصفائِحُ
 
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيْمَ البَشَاشَةِ ، أو زَقَا
..... إليها صَدَىً مِنْ جانِبِ القبرِ صائِحُ

فهو يُخْبِرُ أن ليلى لو مرَّتْ بقبرِهِ ، وألقتْ السلامَ على قبرِه ؛ لَأجابها ، ورد التسليم باشَّاً لها رغم ما يسترُهُ من الحجارةِ والأتربةِ !

فإنْ لم أُجُبْ ؛ فعسى أن يخرجَ لها  صدىً  من جانب القبرِ علامةً على ارتباطي بها حتى بعد دفني وموتي !
 
وقد حدثَ ما تَوَقَّعَهُ ابنُ الحُمَيِّر ، فقد مرَّتْ ليلى بقبرِهِ ، واستأذَنَتْ زوجَها ، فلما اقتربتْ من قبرِه ألقتْ السَّلامَ ، فلم يُجِبْ ، ولكن خرج لها صدىً أفْزَعَ ناقَتَها ؛ فهاجتْ بها ؛ فوقعتْ ؛ فماتتْ ، وَدُفِنَتْ الى جنبِهِ !

هذا ما نَقَلَهُ لنا الإخباريون ، ولا نتحققُ هذا النَّقْلَ .

فهو ارتباطٌ حتى بعد الموتِ ، وهذه القصصُ كثيرةٌ في موروثنا الأدبي ، ومما جاء أيضاً على غرارِ هذه القصصِ ، أبياتٌ لأبي صخر الهذلي مع محبوبتِهِ القُضاعيَّة :

ولو تَلْتَقي  أَصْدَاؤنا  بعد موتِنا
..... وَمِنْ دونِ رَمْسَيْنا من الأرضِ سَبْسَبُ

لَظَّلَ  صدى  رَمْسِيْ ، ولو كُنْتُ رِمَّةً
..... لِصَوْتِ  صدى  ليلى يَهُشُّ وَيَطْرَبُ !

فأبو صخر يقررُ أن الموتَ إذا اختلسَ روحَهُ ، ورُوْحَ القُضاعية ( ليلى ) ، فسيبقى اللقاءُ بين أصدائهما ، ولو كان بين قبري وقبرها الفيافي والسباسب ، فهو يَهُشُّ لصوتِ صداها ويطربُ رغم أنه أصبحَ رِمَّةً باليةً !

فأبياتُ أبي صخر أوغلُ وأعمقُ في الاتصال والوفاء ، وإنْ كنا نعتقدُ أنَّ كِلا الشاعرين المُحِبَّيْن صدَّرا قَوْلَيْهما بحرف الشرط ( لو ) الذي يفيد امتناع الجوابِ ؛ لامتناع الفعل ...

ولكنْ هم المحبُّون يقولون أشياءَ قد لا تكون حقيقةً ، ولكن لِسَيْطَرَةِ الهوى عليهم تخرجُ مثلُ هذه الأشياء !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد