رد على الدكتور أنيس الخصاونة

mainThumb

06-05-2015 11:13 AM

لقد قرأتُ مقالةً للأستاذ أنيس الخصاونة ، خلاصتُها أن الأردن يعيش أوضاعا متردِّيَةً من جهة الاقتصاد ، وفقدان لُقْمَةَ العيش ، ومُشَنِّعا على الذين يمدحون الأمنَ والأمانَ في الأردن |، ويرميهم بالنفاق ، حيث قال :

( الأردنيون سئموا من هذا النفاق والتملق ولم يعودوا يصدقوا اسطوانة الأمن والأمان التي يكررها الخطباء فالأمن والأمان يشمل أيضا الأمن الغذائي والمالي والأمن النفسي والأمن الاجتماعي وغيره ) .

نحن لا ننكر تردي الأوضاع الاقتصادية في الاردن ، وذلك له أسبابُهُ منها : قلة الموارد في الأردن ، فالأردن دولة صغيرة ، ومواردُها شحيحة ، وهي تركضُ ليلَ نهار لِتَأمين شعبِها بما يحفظُ كرامَتَه .

ونعلم أن الفقرَ لم تَخْلُ منه الدنيا يوما من الأيام ، فهي سنَّةُ الله في خلقِهِ ؛ لِيَخْتَبِرَهم ، قال الله تعالى :
(وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) ، فهم مختلفون في العقل ، والطول ، والجمال ، والغنى ، والفقر ...
 
وقال تعالى :

( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ، فهذا غنيٌّ ، وهذا متوسطٌ ، وهذا فقيرٌ ومسكين .

وقال تعالى :

( وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَت رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ، هذه سنَّةُ الله ، ولا تبديل لها .

وقد تَعَرَّض للجوع سيدُ البشر ، وأكرم الخلق على الله محمد – صلى الله عليه وسلم – كما هو ثابتٌ في الأحاديث الصحيحة ، بل كان الصحابيُّ الجليل لا يجد ما يؤكلُه وهو غازٍ في سبيل الله إلا وَرَقَ السَّمُرِ ، جاء في الأثعن قيس بن أبي حازم ، قال : سمعت سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -  يقول :

(  إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ، ورأيتنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا الحبلة وورق السمر ، وإن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام ، لقد خبت إذا وضل عملي ، وكانوا وشوا به إلى عمر ، وقالوا : لا يحسن الصلاة )  متفق عليه .

فهم أكرمُ الخلق على الله بعد الأنبياء ، هذه أحوالُهم ، يضعُ كما تَضَعُ الشَّاةُ ؛ لأنَّ طعامَهم وَرَقُ الشجر !

ونحن اليوم نتمرَّغُ في النِّعَمِ تَمَرُّغا ، وما زاد من الطعام نراه بجانب ( الحاويات ) كأنه تَلَّةٌ أو رَبْوَةٌ !

ولكن أنْ نرمي من يحمدُ اللهَ على الأمن والأمان بالنفاق ! فهذا المرفوض ، لأن فيه إنكارا للواقع ، واجحافا للقائمين على توفير الأمن والامان في أردن الشام ، ونحن نرى مَنْ حولنا تَتْخَطَّفُهم خفافيش الفتن ، وتمَزِّقُ أشلاءهم براميلُ البارود ، فالحمدُ لله على نعمة الأمن والأمان ، وأقصدُ بها ( حقنَ الدماء ) ( وصون الأعراض ) و ( تأمين السُّبِل ) من جنوب الأردن إلا أقصى شماله ، أما بخصوص البطن والمَعِدة ، فهذا رِزْقٌ قَدَّرَه اللهُ ، حتى قال تعالى :
 
( ورزقكم في السماء ، وما توعدون ) ، وقد رددها أهلُ الحكمة من شعرائنا العرب ، فهذا ابنُ زريق البغدادي يصدحُ بها بعد سفره إلى الأندلس :

وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ
..... رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ

قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ
..... لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ

لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى
..... مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ

وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت   
..... بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ .

فإنْ كانت أوضاعُنا الاقتصادية سيئةً ، فلا نسعى إلا تحطيم نعمة الأمن والأمان ، ورمي من يذكرُها ويشيدُ بها بالنفاق ، فإنْ الأمنَ مقدَّمٌ على الزاد والشراب ، بل لا طعمَ للزاد والشراب إذا فُقِدَ الأمنُ والأمان ، فقد قدَّم الرسول – صلى الله عليه وسلم – الأمنَ على البطنِ وما فيها :

(من أصبح آمناً في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) .

فقد قدَّمَ  ذِكْرَالأمن على ذكرِ البطن وما حوَتْ بل قَلَّلَ من شأنِ البطن ؛ ( قوت يومه ) فلم يقلْ قوت سنة ولا شهر ولا اسبوع بل يوم فقط ، وعند الأمن عَمَّمَ في الفرد والسرب الذي هو المجتمع او الجماعه التي يعيش فيها ، وما ذاك الا لاهمية الأمن والأمان في حياة المجتمعات ، فالله ذكر الأمن ، وجعله ركينةَ الحياة الاقتصادية ، قال تعالى :

( وتنحتون من الجبال بيوتا آمنين ) ، فلا عمران الا بالامن ولا أسواق الا بالأمن ، بل إمْتَنَّ اللهُ على قريش بالأمن ، قال تعالى :

( لِايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيَّف ؛ فليعبدوا رَبَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) .

فإنَّ الخائف لا يَسْتَسيغُ طعاما ولا شرابا حتى لو كان الجوعُ عاملاً أنيابَهُ ومثبِتاً مخالِبَهُ .

ولقد سمعتُ عجوزا تقول : ( لو بلغتْ جرَّةُ الغاز عشرين دينارا ؛ لن نكون بسببها مُخِبِّيْن في زعزعة أمن بلادنا ) ! لقد نطقتْ بالحكمة والعقل .

فما فائدة الطعام والسكن ، وقد أُهْريْقَتْ الدماء ، وما فائدة الطعام والسكن ، وقد أُنْتُهِكَتْ الأعراض والحرائر ؟!

فاللهَ اللهَ في الحصن الأخير لنا في الأردن ؛ أردن الشام ، الذي يسعى البعضُ لِخَلْخَلَتِه تحت ذَرائعَ واهيةٍ .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد