في الخامس من نيسان الجاري مرت الذكرى السنوية الأولى لرحيل أحد أهم وأشهر الرموز الوطنية والسياسية على الساحة الأردنية والعربية انه المناضل الكبير الدكتور يعقوب زيادين ، الذي كان نموذجا يحتذى به وقائدا ومفكرا ومناضلا قل نظيره ، وقبل ذلك كان الطبيب الإنسان أو طبيب الفقراء كما كان يعرف في الأوساط الشعبية .
إنها لحظات صعبة جدا أن نقف اليوم لنكتب عن أبا خليل الراحل وهو الذي لم يرحل ، لان القيم والمبادئ التي نذر نفسه للدفاع عنها ونوجزها بوطن حر كريم وشعب سعيد وعدالة اجتماعية بين أبناء الوطن ، هذه المبادئ ستبقى خالدة لأنها الهدف لكل شعب وأمة تحترم نفسها ، وقيمة أبا خليل أنه كان نموذجا كما أسلفت يحتذى به لكل تلك القيم الرفيعة ، فهو الذي عاش حلم الأممية ، وانتصار البولتاريا ونذر نفسه للدفاع عن الكادحين في وطنه والعالم ، لم تهزه المتغيرات السياسية في العالم وانهيار دولة العمال الأولى الاتحاد السوفيتي وهو دون غيره من انتقد بشدة تصرفات بعض أعضاء السفارة السوفيتية في عمان وقال عنهم حتى في موسكو وفي العلن وأمام رفاقهم بأنهم غير شيوعيين وبعض تصرفاتهم تسيء للحزب والدولة السوفيتية ، وأنا سمعت منه ذلك شخصيا وفي بيته العامر بأم أذينه ، كما لم يجامل فقيدنا الكبير أبا خليل على حساب المبادئ والقيم التي آمن بها لأجل شعبية رخيصة وكان مثال القائد الذي يصنع التاريخ .
وكان هو الصوت العاقل الوحيد في الأردن الذي وقف عام 1990م ، معارضا للاجتياح العراقي للكويت وقال أن الوحدة تصنعها إرادة شعب وليس الضم القصري وقال أن العراق والكويت وكل الأمة العربية ستدفع ثمن ذلك وقبل تلك الفاجعة كان له موقفه الرافض من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران أو حرب الوردتين كما وصفها الكاتب والقطب الناصري فهد الريماوي في مقاله بجريدة الدستور مطلع ثمانينات القرن الماضي وقال عنها فقيدنا الكبير أبا خليل بأنها حرب لن يستفيد منها إلا أعداء الأمة وعملائهم في المنطقة .
التقيت بفقيدنا الكبير ولأول مرة عام 1989م ، ولم يكن اسمه غريب علينا وأنا الذي أصبحت متابعا جيدا بعد انتفاضة 17 نيسان المجيدة لشؤون وطني وأمتي ، وبعد ذلك زرته في عيادته عندما كانت وسط البلد مقابل صيدلية الحياة مرات عديدة ، وبعد انضمامي للحزب أصبحت أراه باستمرار وكلما توجهت للعاصمة عمان وزرته في بيته عشرات المرات وفي كل لقاء كان أبا خليل يضيف شيئا جديدا في حياتي رغم أنني تركت الحزب نهائيا .
لقد كان مدرسة وطنية في غاية النبل والشرف والنزاهة ، قبض على جمر المبادئ في ظل تغيرات عالمية كبيرة طالت كل شيء وكما قال لي ذات مرة في خجل عندما سألته عن بيته في أم أذنيه ، كانت المنطقة كلها شبه خالية عندما سكنت هنا ، وقال الكثير من المقربين إليه ، لو أراد أبا خليل المال لأصبح من أصحاب الملايين ولكنه ترفع عن ذلك وكان المناضل الكبير والقائد والطبيب الإنسان .
سجن ولم يزده السجن الطويل إلا إصرارا على المبدأ تعرض للتعذيب النفسي والجسدي وتحمل ذلك بقلب الأسد والبطل الذي يؤمن بأهدافه ، عاش بالمنفى سنوات وقلبه الكبير بقى كالطائر في سماء الوطن الذي كان بقلبه ووجدانه ، انتخبته القدس نائبا لها بوعي شعبنا العربي بفلسطين المدركين لمواقف الرجال والأحرار في الوقت الذي سقط من أبناء القدس من دافعوا بأرواحهم عن أسوارها ، وللأسف لم يحالفه الحظ في عمان بانتخابات اعترف بتزويرها حتى من اشرف عليها .
لقد تشرفت أن تحوي مكتبتي المتواضعة كل الكتب التي أصدرها مناضلنا الكبير يعقوب الزيادين وباهداء شخصي منه أولها( كتاب البدايات ، و ليست النهايات، ولو عاد بي الزمن) إضافة لكتابه شهادته على العصر وهو حواره الممتد مع قناة الجزيرة ، ولا أنسى التكريم الذي أقامه لي بعد خروجي من السجن عام 1996 على أثر انتفاضة الخبز ، كما لا أنسى كلماته وتشجيعه المستمر لي رغم ظروفه الصحية على أثر ما تعرضت له أيضا من نقل وتنكيل برزقي وأولادي بعد اعتصام مؤسسة المواني الذي تشرفت أن أكون أحد أبرز صناعه والناطق الإعلامي باسمه ...يا الله ما أصعب الكلمات وما أقسى الكتابة عندما تكون عن رمز وقيمة وطنية وإنسانية بوزن الدكتور يعقوب زيادين .
وما أذكره من نوادر أبا خليل أن صديقنا المشترك علي الزعبي وقد كنا في احتفال للحزب بفندق السان روك وأثناء الاستراحة أراد علي مداعبتي قليلا وقال لفقيدنا الكبير انظر لعبد الهادي فهو نصفه ماركسي والنصف الآخر ناصري انه يحمل ميدالية عليها صورة للزعيم جمال عبد الناصر وهذه الميدالية هدية من صديق عزيز من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتأمل أبا خليل الميدالية والصورة التي عليها وأجاب أن جمال عبد الناصر قائد عظيم ورمز يعتز به كل وطني غيور .
واليوم وما أصعب الأيام وها هو عام كامل يمر على رحيل أبا خليل وسوف تتعاقب السنين ولكن سيبقى الحاضر الذي لا يغيب ستبقى سيرته وما زرعه لنا من مثل أعلى حاضرة في الأذهان وخالدة في التاريخ ، ولا شك أيضا أن الوطن سينصف أبناءه المخلصين عندما يشارك الشعب في صنع مستقبل وطنه وليس كما هو الحال اليوم كل شيء في وطننا مصنوع من الخارج بما في ذلك الإرادة السياسية ، الحكومات تأتي بالتعيين مجالس النواب مفصله بقوانينها, السفيرة الأمريكية تتصرف وكأنها مندوب سامي والعالم كله تغير وكما قال فقيدنا الكبير في كتابه البدايات معلقا على حال الوطن بعد خروجه من السجن عام 1965م أصبح كل شي بالتقسيط .
رحم الله فقيدنا الكبير المناضل والطبيب الإنسان يعقوب زيادين الذي لا أريد أن اصدق انه رحل عن عالمنا وربما انأ لا أريد أن اصدق ذلك رغم الألقاب التي أصبحت تسبق اسمه كالمرحوم والفقيد والراحل واشعر وكأنه في سفر ولكن الرحلة طالت أكثر من اللازم فهو كان وسيبقى مدرسه وطنيه مشرفه للجميع .