بين جنسيتين

mainThumb

07-08-2016 09:29 AM

أحمل، مثل معظم اللبنانيين، جنسيتين. وكانت هذه الازدواجية في الماضي وقفًا على أهل البلد الصغير غير المتسع للكثرة، وغير المستقر على الدوام، لكنها أصبحت عادة عربية شبه عامة، لا يهاجر فيها المهاجر بموجب ترتيب وإعداد وخطة، بل على قارب مطاطي يقبل بأي ميناء غير أرضه ووطنه.
 
 
 
عندما تكون مزدوج الجنسية يعني حكمًا أن تصبح مزدوج القلق. أو العكس، أي الاطمئنان. وقد مررت، بصفتي بريطانيًا، بحال من التوتر قبل وبعد الخروج من أوروبا. وكنت في داخلي خائفًا من طرح مسألة في هذه الخطورة على العامة؛ لأنني لا أثق في قرارها. غير أنني تقبلت في بريطانيا حكم الأكثرية الذي لا أتقبله عادة في بلدي الأم.
 
 
 
لماذا؟ لأن الاختلاف في بريطانيا مسؤولية، وليس كيدية ولا انتقامًا ولا رعبًا ولا ترهيبًا. السياسي البريطاني هو صنع المجتمع البريطاني. وفي ورقة اقتراع صغيرة تغير موقع المملكة المتحدة ومواقع كبار السياسيين، من دون صراخ أو زعيق أو وعيد. خرج ديفيد كاميرون من العمل السياسي وهو دون الخمسين، كما خرج من قبله اثنان من صناع التاريخ، تشرشل وثاتشر.
 
 
 
في وطني الأول، الذين أخذوه إلى الحرب، يحكمونه في اللاحرب. لا يُغيَّرون ولا يتغيرون، ولا يقبلون أي تغيير. ورقة صغيرة وتخرج بريطانيا من أهم وحدات التاريخ الأوروبي. 74 جلسة «انتخاب» ولا رئيس في لبنان. كل اقتراع أسوأ مما قبله. أبرز المتغيبين عن أداء واجب الاقتراع، المرشحان الرسميان الوحيدان، ميشال عون وسليمان فرنجية.
 
 
كلاهما رئيس كتلة برلمانية، وكلاهما لا تطأ قدمه البرلمان، لأنه يعتبر نفسه أكثر أهمية من الناس الذين انتخبوه نائبًا، أو من النواب الذين سينتخبونه رئيسًا. لا قيمة للمجتمع عندهما؛ لأنه بالفعل لم يكن هو من «صَنَعهما». كل ما فعله أنه اتبع. في الحرب وفي السلم. لم يتعلم، وقد لا يتعلم، كيف يكيد وينتقم ويهزج في خسارة خَصمه.
 
 
 
أليس من الظلم التعميم؟ أجل، غالبًا. ليس في حالة المجتمع اللبناني الذي أنا فرد فيه. بعد حرب قتل فيها 200 ألف إنسان، وهاجر مليون، وفُقِد المئات، عاد الشعب الأبي واستعاد الوجوه نفسها والأيدي نفسها. هل ترى الآن لماذا أخاف على بريطانيا؟ لا يتحمل الإنسان أن يفقد حكم السوية في أكثر من موئل. عندنا مثل شعبي قروي بسيط يقول: «تسألني لماذا أنفخ على اللبن (الزبادي)؟ لأن كاويني الحليب».
 
 
 
ولدنا في الشرق وفي فمنا ملعقة من قلق. وفيه أيضًا ماء. وفي الحلق جفاف، من كثرة ما حكينا. «ولا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم».
 
 
 
* نقلاً عن "الشرق الأوسط"
 
 
 
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد