تقدم داعش وأخواتها خدمات لا تقدر بثمن لإسرائيل فى المنطقة سواء بالتآمر مع الغرب أو مع حكومات عميلة عن طريق خلق فوضى شاملة تقوم على تقطيع أوصال الدول وسحق هويتها تمهيداً لخلق كيانات عنصرية وطائفية متعادية تحارب بعضها البعض حتى تستنزف طاقتها وتجعل منها تابعاً ذليلاً للبيت الأبيض وأعوانه، فالسؤال الذي يثار هنا: لماذا لم تتجه قذيفة واحدة من داعش إلى إسرائيل طوال هذه الفترة؟.
تعتبر داعش مجرد أدوات في المشروع الأمريكي -الإسرائيلي التفتيتي في الشرق الأوسط، ويتأكد ذلك من خلال مجريات الأحداث والوقائع في منطقتنا، فالغارات الإسرائيلية على مواقع الجيش السوري في الأسبوع الماضي دليل واضح على عمق العلاقة القائمة بين إسرائيل وبين الجماعات المتطرفة وحجم الدعم الذي تقدمه إسرائيل لهذه الجماعات، وهي محاولة لإنقاذ داعش وأخواتها التي تتهاوى أمام ضربات الجيش السوري وحلفائه، وتقدمهم في شمال سورية وحماه وريف دمشق.
منذ عدة أيام أعلن وزير الدفاع الإسرائيلى السابق موشيه يعالون أن تنظيم داعش بعث برسالة اعتذار إلى إسرائيل عن إطلاق النار بالخطأ فى اتجاه الجولان وهذه هي المرة الأولى التى تحدث فيها هذه الواقعة، هنا نتساءل عن مدى الإرتباط بين إسرائيل وداعش، فداعش التى تدمر دولاً وشعوباً عربية تعتذر عن قذيفة واحدة وصلت إلى إسرائيل بطريق الخطأ ، بينما تقتل وتقصف وتدمر وترسل كل يوم آلاف القذائف والصواريخ الجهنمية الى سورية، هنا تتضح الصورة أمامنا لنجد فيها أسلحة إسرائيلية -غربية تملأ معظم المناطق السورية وتصل بكل الطرق إلى داعش وأخواتها، وأن الأسلحة التى كشف عنها الجيش السوري في حلب وشرق العاصمة دمشق تجيب عن تساؤلات كثيرة كيف وصلت هذه المعدات إلى سورية؟، ومن هو الممول الأساسي لها؟، مع العلم أن معظم الوثائق المتوفرة منذ العام 2011 أكدت أن مئات من الجرحى لجماعة داعش والنصرة في سورية يعالجون فى مستشفيات إسرائيل وهناك زيارات موثقة لقادة الكيان الصهيونى لهؤلاء الجرحى والترحيب بهم.
قد تكون إسرائيل المستفيد الاول من داعش من غير أن تتعرض، حتى الآن على الأقل، لخطر موجة الارهاب التي تضرب حالياً المنطقة، لذلك يعتبر الكيان الصهيوني من المؤيدين لإستراتيجية داعش ومموليها في الشرق الوسط وخاصة فيما يتعلق بسورية لعدة إعتبارات أهمها، تجنيد العالم لمحاربة الإرهاب التي تدعي إسرائيل أنها تعاني منه، وفي هذا الإطار يشبه نتنياهو الحركات المقاومة بتنظيم داعش ويحاول الربط بينهما، وتأمل إسرائيل أن يتطور الموقف الدولي إلى درجة التعاطي مع بعض تنظيمات المقاومة بإعتبارها منظمات إرهابية ينبغي محاربتها، بالإضافة الى تعزيز واقع الإنقسام والخلاف في العالم العربي وصرف النظر عن موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي، ومن هذا المنطلق ترى حكومة نتنياهو أن الفرصة مواتية الآن لقيام تحالف عربي- إسرائيلي في وجه الإرهاب والعدو المشترك، وقد شاهدنا في المرحلة الأخيرة كيف عملت إسرائيل على توظيف الهجمات التي وقعت في بروكسيل كي تؤكد للعالم أن ما يجري عندها من عمليات طعن ودهس التي يقوم بها فلسطينيون تعبيراً عن رفضهم لسياسة الاحتلال، هو إرهاب من النوع نفسه الذي تعانيه أوروبا.
في هذا السياق حظي تنظيم داعش برعاية أمريكية إسرائيلية في أول بدء تجنيد المقاتلين السلفيين للقتال في سورية تنفيذاً لمشروع إسقاط نظام الأسد، فهناك قواسم مشتركة تجمع إسرائيل وهذا التنظيم المتطرف الذي أكد بأنه لن يقاتل الكيان الصهيوني بدعوى أن تحرير الشام أولى من الأراضي المحتلة بفلسطين، أبرز هذه القواسم الاعتماد على المرتزقة سواء كان في الجيش الإسرائيلي أو عناصر داعش الإرهابية التي تقاتل مقابل الحصول على أموال معينة، كما أن التنظيم الإرهابي والكيان الصهيوني اشتركا في تنفيذذ عدة جرائم ضد الإنسانية ترقى لمستوى جرائم الحرب في العراق وسورية وليبيا ومصر على أيدي داعش، أضف إلى ما سبق سرقة الأرض في فلسطين من أجل إقامة الدولة اليهودية والعراق وسورية من أجل انشاء “الدولة الإسلامية في العراق والشام، هذا يعني أن داعش صناعة غربية إسرائيلية وانها تنفذ برنامجا لتدمير العالم العربى بحكوماته وجيوشه وإمكانياته.
فالمتابع لما تتعرض له سورية من هجمة إرهابية شرسة، وما يرافقها من دعم للإعلام العربي والدولي، لا بد وأن يصل إلى قناعة أن هذه الحملة المنسقة لا يمكن أن تكون من صنع هذا التنظيم وحده، بل وراءه حكومات إقليمية ودولية غربية، وبالأخص الإدارة الإسرائيلية، التي تستكمل مخطط تقسيم المنطقة التى سعت إليها منذ سنوات طويلة، لذلك فإن الصراع بين داعش وإسرائيل صراع وهمي ودعائي، فكل أسلحة داعش إسرائيلية-أمريكية، وبالتالي هناك نوع من التنسيق فيما يدور بينهم، إذ لا توجد ما يسمى حرب بين إسرائيل وداعش، ولكن هناك تمثيلية حرب باسم داعش لأهداف إسرائيلية تتمثل في حماية الكيان الصهيوني والإستحواذ على جميع طاقات المنطقة وتفتيتها.
وأختم مقالتي بالقول إن أعداء سورية إعتقدوا أنه بخلق داعش وأخواتها ودعمها سيتم إركاع سورية، لكن إكتشفوا بأن حسابات حقلهم لم تأتي على حسابات بيدرهم، فصمود وصلابة سورية أسقط رهان المتآمرين وأفشلت مخططاتهم الخطيرة المتربصة بوطننا الكبير سورية، بإختصار شديد، ستزول داعش والإرهاب من سورية لكونها آداة مأجوره للضغط, والترهيب لتحقيق مكاسب سياسية, وإنتهى مفعولها بعد تثبيت أساس وحدة سورية، وتماسك وتلاحم الشعب السوري بعد شعوره بأن العدوان الذي إستهدفه إنما إستهدف في الحقيقة وحدته وعزته وكرامته وتاريخه المشرق المضيء.