الحكومة بين التوقعات الإصلاحية وممارسات الجباية الضريبية

mainThumb

21-11-2018 10:16 AM

عندما خرج الشارع الأردني (مترافقًا مع إضراب النقابات) إلى (الدوار الرابع) في (هبة رمضان 2018) ليُعبّر عن رفضه للسياسات الضريبية التي كانت تنوي إقرارها حكومة (د. هاني الملقي) فإن الأمور آنذاك قد وصلت حدّها في مقاييس التحمّل الشعبي، فجاء قرار إقالة الحكومة السابقة و تكليف (د. عمر الرزاز) بتشكيل الفريق الحكومي ليحضى بثقة الشارع و مجلس النواب حيث تم تسويقه على أنه (الاقتصادي الفذ و نظيف اليد و التقدمي بنهجه السياسي) فكان أن رفع الأردنيون سقف التوقعات والآمال المعقودة على تلك الحكومة.

 
الصدمة الأولى كانت حينما استعان (د. الرزاز) بوجوه تقليدية و مكررة سابقًا و بعض رجال الأعمال في حكومته، ثم كانت الصدمة الأخرى عندما تبين بأن (د. الرزاز) وفريقه ليس كما تم تسويقه؛ فهو قانوني و خبير تخطيط حضري أكثر من الاقتصادي المُمارس، أما عمله في (البنك الدولي) فهو ما جعله وكيلًا لتحقيق متطلبات (شهادة الموثوقية للاقتراض) بدلًا عن عمله كاقتصادي بنظرة تنموية بعيدة المدى! إن الدليل قائم باستمرار الحكومة على انتهاج (الجباية الضريبية) في حين تعاني المؤشرات الاقتصادية من الركود و التضخم و تراجع جاذبية الاستثمار و هجرة الكفاءات و رحيل المصانع إلى دول مجاورة، فقد كان من المؤمل أن يَعمَد (د. الرزاز) لإطلاق خطط تنموية شاملة تعزز الاستثمار و التشغيل و النمو و تكبح الفساد و التهريب و التهرب الضريبي و الرشوة و سوء إدارة القطاع العام، فكانت الصدمة الأخيرة متمثلةً بالضبابية التي دارت حول ملفات الفساد الكبرى و العجز عن الإجابة على تساؤلات رئيسة حول النفط و تسعير مشتقاته و حول تآكل البنى التحتية و الكوارث المائية التي عقبت الأمطار مؤخرًا.
 
تقدمت الحكومة بقانون معدل للضريبة، و جرى مناقشته في مجلس النواب و إقراره في ظروف مُريبة  في ظل تَغيّب مُتعمّد للنواب و تصويت غالبيتهم عليه بعد تعديلات طفيفة، فكانت الصدمة الكبرى (بعد صدمة إقراره) أن أعاد (مجلس الأعيان) بعض المواد السابقة و أجرى التغيير على صيغته المقدمة من (مجلس النواب) ممّا يعني أنه و في حالة رفض مشروع القانون لمرتين (من أحد المجلسين) فإنه سيتم طرح القانون للتصويت في جلسة مشتركة للبرلمان (مجلس الأمة) بشقيه، وهنا يبدو بأن أصوات ثلثي الحاضرين قد تكون متوافرة لإقراره.
 
 أوّليات الاقتصاد تقول بأنه وفي حال عانت دولة ما من الركود الاقتصادي و تراجع مؤشرات النمو و التوظيف والطلب العام، فإن على الحكومة أن تتخذ تدابير عامة عبر (أدواتها التقليدية كالسياسة المالية و النقدية) بحيث يتم تحفيز الطلب و خفض البطالة و تعزيز النمو، ومن أبرز التدابير هي خفض الضرائب لتوسيع الدخل الخاضع للإنفاق مما سيُعزز الطلب،  و تشجيع الاستثمار بخطوات حقيقية جاذبة لرؤوس الأموال و المستثمرين مثل إعفاءات ضريبية و تقديم أراضٍ مجانية و أسعار مخفضة للماء و الطاقة وغيرها من جواذب الاستثمار. أما ضيق الأفق و قِصَر النظر و الاكتفاء بقراءة مالية مجردة لواقع (مؤشرات الدين العام و عجز الموازنة) و اللجوء لسياسات (جباية ضريبية) تثقل كاهل الأفراد و الشركات و تُعزز الركود و التباطؤ الاقتصادي بدون أية عواقب حميدة على المدى المتوسط و البعيد (سوى إفقار الطبقة الوسطى، و تجويع الطبقة الفقيرة) فهذا أمرٌ مَثار استهجان و ريبة.
 
خلاصة القول: أن الاستمرار بنهج الجباية الضريبية و الإدارة المالية للدولة بانقطاع عن إدارة (الاقتصاد الكلي والجزئي) لهو تضحية بالأبعاد الأخرى كالاجتماعية و مفاهيم الأمن و السلم العام، فمن المتوقع و كنتيجة لإقرار (مشروع القانون المعدل للضريبة) وعلى مدار ثلاث سنوات أن يزداد التضخم و يتراجع الطلب و يستمر الركود و ترتفع البطالة و يلجأ البعض لممارسات الرشوة و التهرب الضريبي لتفادي ارتفاع العبء الضريبي عليهم من شركات و أفراد، و جميع ذلك كارثي بجميع المقاييس.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد