بعد نحو عامين من الخلاف حول تسمية أعضاء اللجنة الدستورية السورية، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش تشكيل هذه اللجنة بشكل رسمي بمشاركة جميع الأعضاء الـ 150 للجنة التي تضم مندوبين عن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني السوري، وبإشراف من الأمم المتحدة، ومع الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية يحق للسوريين أن يتساءلوا هنا: ما الذي يمكن أن تقدمه اللجنة التي أصبحت واقعاً لابد منه، بعد توافق جميع الأطراف عليها ؟.
إن تعثُر تشكيل اللجنة الدستورية يعطينا مؤشر واضح على مدى فاعليتها ومدى قدرتها على إنجاز تعديل الدستور، كما أن إعلان تشكيلها وانطلاق أعمالها، يأتي ثمرة جهود السوريين وجهود الحكومة السورية المشتركة، خلال ما جرى في السنوات السابقة وما تم التوصل له في مؤتمر سوتشي المتعلق بتسوية الأزمة السورية.
وفي موازاة ذلك تتمثل مهام اللجنة في مناقشة الشأن الدستوري، والسعي للتوصل إلى توافق ما بين أعضاء اللجنة بالإجماع حول إقرار مقترحات تعديل الدستور، وبعد إقرارها يتم طرحها للتصويت عليها ضمن مجلس الشعب السوري أو عرضها على الاستفتاء العام.
المراقبون اعتبروا بأنه يمكن تجاوز الخلافات والمشكلات بين أعضاء اللجنة إذا تمتع الأعضاء بالوعي العميق والمسؤولية الوطنية من خلال تعزيز السيادة والاستقرار والوحدة الوطنية وتخطي أي خلافات في سبيل بناء أرضية مشتركة تنتج عقداً اجتماعياً متوازناً ومتكامل وطنياً يليق بشعب سورية وعظمته، أي بمعنى عندما يضع كل السوريين مصلحة سورية فوق كل الاعتبارات وفوق كل المصالح الذاتية .
بالتالي يعتبر الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية واحد من أبرز المحاور السياسية المهمة، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص، ويساعد على مكافحة الإرهاب، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية، وإنهاء مأساة إنسانية عاشتها سورية بعد أعوام من الحرب المدمرة.
من الواضح إن اللقاءات الدولية والإقليمية حول الأزمة السورية تشير إلى وجود خطة معينة سيتم من خلالها التعاون مع الحكومة السورية بالقضاء على الإرهاب، وبمشاركة جميع الأطراف كلاً حسب دوره، لذلك سنتوقع في الأيام المقبلة أن يكون هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، كما أن هناك بعض الدول على رأسها تركيا وحلفائها ستخسر رهانها بالحرب على السورية ويعود ذلك على أن المعارضة أبدت تراخي ومرونة بالقبول بالحلول السياسية، كون الجميع بشكل عام تعب من هذه الحرب ويريدون الخروج من هذا الوضع المتأزم والمعقد بأي شكل من الأشكال بعد قناعتهما وإدراكهما بأن هناك أطراف خارجية تريد أن تحقق مصالحها على حساب الشعب السوري.
لذلك إن الفترة القادمة تحمل الكثير من الفرص لالتقاء السوريين، وإنجاز عملية سياسية حقيقية تعبر عن تطلعاتهم وطموحاتهم ، كما يعمل الدستور في نفس الوقت على تجاوز كل المصاعب والعقبات والتحديات، التي واجهت الدولة السورية، وذلك من خلال توحيد السوريين على أسس يتم التوافق عليها، وبالتالي يكونون أكثر مناعة في مواجهة الإرهاب والتحديات الخارجية التي تستهدف أمن سورية والمنطقة بأكملها.
مجملاً... إنه بالرغم من كل الصعاب إلا أننا على يقين أن الشعب السوري الجبّار سيتمكن من تجاوز أزمته بالحكمة وستفوز أصوات العقل على أصوات المدفعية والرصاص ودعاة الطائفية وستنتصر عليها بل وستؤسس لمستقبل سوري أفضل وسيعم الرخاء والاستقرار وسيندحر دعاة الفتن الطائفية، فلو عمل السوريون على التصالح ولما فيه مصلحة سورية، وتخلوا عن الحقد والرغبة في الانتقام، لكانت دمشق قد حلت أزمتها دون حاجة لمبادرة من أحد.
وباختصار شديد يمكنني القول: إن سورية تتجه نحو سيادة الدستور ... وان تشكيل اللجنة الدستورية وما رشح عنها أكدت وعي الشعب السوري وعدم خضوعه للدعايات الخادعة التي أرادت إدخال المؤثرات الغربية والصهيونية في صياغة الرأي العام السوري، وبالتالي فإن سورية أمام مرحلة جديدة يكون الشباب هم عمادها ويكون الانتماء للهوية هو نافذتها المطلة على شاطئ الأمان والاستقرار من أجل الحفاظ على وحدة سورية وتعددية مجتمعها.