شذرات عجلونية (35)

mainThumb

08-01-2022 01:04 PM

آمال المستقبل وآلامه

يسألني طلبة مستجدون ترنو أنظارهم إلى المستقبل، أحلامهم واعدة، وشغفهم كبير، عن التخصص الذي أنصحهم بدراسته، وبحكم خبرتي التي قَبَسَتْ من حضارات وثقافات متعددة، في فترة تجاوزت ستة عقود، وبحكم تخصصي الذي أُحبُ، وميداني المفضل قاعات الدرس، وساحات الإعلام المتنوعة، التي أدلي بدلوي فيها بين الفينة والأخرى، فإنني أنصحهم، وبالدرجة الأولى ببضعة تخصصات من أهمها:

 
وسائل "اللاتواصل" الاجتماعي
 
أولها دون منازع تخصص الصحافة والإعلام الإلكتروني، فالإعلام هو الذي يحرك كل أدوات المستقبل، وفعالياته ونشاطاته، وحتى حروبه، وموارده، وأفكاره، بفعل وسائل "اللاتواصل" الاجتماعي، التي أصبحت القرين الذي يصاحب كل البشر، حاضراً ومستقبلاً، مهما يكن نوع عملك؛ فإنك دون شك تبقى قاصراً عن بلوغ المرام ما لم تستخدم وسائل الإعلام في الوصول إلى الناس، تاجراً كنت، أم ممثلاً على الناس (سياسي)، معلماً عملت أم واعظاً، مصلحاً بين الناس أم مفسداً، لا غنى لك في كل مراحل عملك وتعاملك عن وسائل الإعلام، وخاصة وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة، التي أصبحت مع التطور المهول للتكنولوجيا هي كل الحياة. 
 
وهنا أُزجي كل آيات التهنئة والتبريك لطلبتي الأعزاء، خريجي الصحافة والإعلام، وأشد على أياديهم بالقول أنتم ربان السفينة في المستقبل، وأنتم قادته، إذا حملتم الأمانة بحقها، ولن تكونوا كذلك إن لم تكونوا قادرين على المطالبة بحقوقكم أولاً والوصول إليها بكل عزم وإصرار، مقروناً بأدب الخطاب والسؤال.
 
وحيد ومتوحد
 
ثانيهما تخصص التربية الخاصة، وتشخيص اضطرابات التوحد، فهذه هي النتيجة الطبيعية، والحتمية لإدمان الأجيال القادمة على مواقع اللاتواصل الاجتماعي، فهي خيارهم الأول إن لم يكن الوحيد، وهي مفروضة عليهم، قسراً عنهم، بعد انشغال كل مؤسسات التربية، والتنشئة الاجتماعية عنهم، أو تشاغلها بغيرهم؛ ابتداء من الأسرة مروراً بالمدرسة، وصولاً إلى الجامعة، ولا يخلو مجتمع الأقران من كل هذه السلبيات؛ لا بل إن مجال الأعمال في القطاعين العام والخاص، أصبح الناس به يتفاعلون من خلال التواصل والتعامل الإلكتروني، وتتم الصفقات وإنجاز المهمات من خلال الشبكة العنكبوتية.
 
وهي إلزاماً أو قسراً على الأجيال القادمة في مراحل التعلم والتعليم، وهي أجيال مضطرة للتعامل مع المواقع في دراستها، وفي حياتها اليومية، وفي تسوقهم، وتنزههم، وكل شؤون حياتهم. تأثرت نفسياً وأنا أراقب طلبتي في الامتحانات النهائية، وأنا أقابل بعضهم للمرة الأولى؛ حين تقول لي طالبة مجتهدة، أو يناديني طالب مشاغب من خلال المواقع، دكتور أنا فلان، أنا ابنتك فلانة، ما عرفتني، كيف لي أن أعرفه، أو أعرفها ولم أقابلها قبل ذلك، إلا في قاعة الامتحان. لذلك أنصح بعد دراسة الصحافة والإعلام، أن يتوجه الطلبة إلى دراسة تشخيص اضطرابات التوحد، وهو أحد التربية الخاصة، كي يستطيع التعامل مع أجيال المستقبل. 
 
فنون بصرية تذهبُ بالبصيرة
 
تزدان مواقع اللاتواصل وتزدحم بالفنون البصرية، والأشكال والرسومات، وتعد من بواعث الإدمان على الانترنت من خلال التناسق والتناغم، ضمن الوسائط المتعددة، مما يجذب الأنظار ويبهرها، مما يزيد بعض المدمنين شغفاً بها، وحباً لها، وتعلقاً بها، ولكنه يفقدهم البصيرة، ولا يهديهم إلى الحقيقية. فهنيئا لك يا آرام؛ أنك جعلت من مشروع تخرجك في الفنون البصرية، خدمة لشريحة مهمة من أبناء الجيل؛ وجعلت مراياك تتحدث عن طريقة علاج للمقربين منك، كي تكوني الأكثر صدقاً وإحساساً بما تفعلين وما تقولين.
 
 تخصص الفنون البصرية والتصميم، من أكثر العوامل التي قد تكون سبباً في الخدع البصرية، وتدعو إلى الإدمان على المواقع، إن لم يجد مخلصين يوظفونه في خدمة البشرية، وهو تخصصٌ يدعو المتطفلين لاستخدامه في ابتزاز واستغلال الآخرين. تخصصات الفنون البصرية، والتصميم الجرافيكي، من تخصصات المستقبل الواعدة.
 
الفاصل والفيصل بينهما
 
ما أجمل أن تكون الرؤية واضحة، وأن يسير الإنسان على هدى، منذ نعومة أظفاره، هكذا كان يسير ابني الحبيب أيهم، منذ الصف السابع كنت ترى نفسك محامياً مدافعاً عن حقوق الناس، منافحاً في ساحات المحاكم بما يرضي الله إن شاء الله، ولذلك كنت متميزاً في تخصص القانون الذي عشقته منذ طفولتك، وتميزت به في جامعتك، سرني كلمات الثناء من مدرسيك يوم مناقشتك لمشروع التخرج، الذي تحدثت فيه عن الجرائم الإلكترونية، فقد حلقتُ فوق السحاب، وأنا أمام الشاشات أشنف سمعي وبصري بالثقة التي تدافع بها عن مشروعك، وعن حلمك.
 
نعم هذا هو التخصص الرابع من التخصصات الهامة (القانون)، من وجهة نظري الذي أنصح به الطلبة الطامحين بمستقبل مشرق، فإن نتيجة الإدمان على مواقع اللاتواصل، سيؤدي إلى توحدٍ، واضطرابات نفسية، وعقلية، وسيجعلها المواقع ساحة خصبة لاستغلال المجرمين، الذي يستغلون غرائز البشر وحاجاتهم، من خلال هذه المواقع للإيقاع بالقاصرة قدراتهم النفسية والعقلية، واستغلالهم وابتزازهم لغايات غير شريفة. وليس من مدافع عن أصحاب الاحتياجات هؤلاء إلا رجل قانون يتقي الله في عمله، ويكون الإصلاح وإحقاق الحق نصب عينيه.
 
مبارك أحبتي
 
مباركُ أيها الأيهم تخرجك، ويا صبا الأسحار نجاحك وتميزك، هنيئاً لنا بك يا آرام يا سيدة بأخلاقك بين الأنام، ألف ألف مرة مبارك لطلبتي خريجي تخصص الصحافة والإعلام في كل الجامعات التي درست بها، حققت يا رهف قصة نجاح بعزم وإصرار، وأنت يا سيرين صنعت قصة متميزة للتسامح، وسرت يا أحمد تحمل شعلة الأمل إلى قمة النجاح، وأرجو الله أن تكون أحلامك وأحلام زملائك أجمل، وأن تهتدوا إلى غدٍ مشرق مفعم بالآمال الجميلة. 
ا
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد