تأملات في سورة لقمان

mainThumb

14-11-2022 12:03 AM

( ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَاِنَ الحِكْمَةُ )
ولأن الحكمة تحمل القوة العلمية والمعرفية ،وكمال العمل ،فإن ذلك ينبع من فطرة الإنسان "فحقيقة الإنسان سر في القلب متفرع في الجسد ،ففي الرأس وقاره وفي السمع والبصر وعقله ، وفي الشم والذوق واللمس والفرج لذته، وفي اللسان والكف والقدم خلقه ..
- فمن كان الصمت سجيته، والحلم شيمته .. فقد كمل وقاره .
- ومن كان العلم مسموعه، والحكمة منظوره.. فقد كمل عقله .
- ومن كان الحلال شمه وذوقه ولمسه ونكاحه .. فقد كملت لذته .
- ومن كان الصدق لسانه والسخاء يده، والسعي إلى الخيرات قدمه.. فقد كمل خلقه ).)١
هذ هو الأنسان الذي أتاه الله الحكمة (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)
إذا ما تأملنا في السورة سنجد أن الحكمة هي محور السورة نستدل على ذلك من ثلاثة وجوه الاول : أن السورة سميت بسورة لقمان ولقمان هو الحكيم
والثاني : أنه ورد ذكر الحكمة في قوله تعالى : ( ولقد آتينا لقمان الحكمة ... )
والثالث : بأن السورة بدأت بذكر الكتاب الحكيم ( الم(1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(2)
في القرآن الكريم معين لا ينضب فكل آية حكمة بذاتها ،وفي كل طائفة من الآيات وسورة من السور مبادئ وقيم وأقوال وأفعال وأوامر ونواهي ومواعظ ،ومع ذلك فمن يتأملها ضمن محور معين سيجد روابط ووحدة الموضوع ،ومن يتأمل كل أية منفردة سيفهم ويعرف مراد الآية بحسب ما لديه من اهتمام ،وإذا ما تأملنا في سورة لقمان نجد أنها قد ربطت الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل ،وربطت بين مكونات الوجود ( الله ،الإنسان ،الكون ) وعلاقة كل من هذه المكونات الثلاث بعضها ببعض ،فمن يتأمل في السورة سيجد مقومات الحكمة فلقمان حكيم ،والقرآن الكريم حكيم يعلمك الحكمة ،وما لقمان إلا مثل ضربه الله لنا كي نتعلم الحكمة ، .
وأول طريق للحكمة هو معرفة الحقائق
وكلمة مهمة
إذا كانت حقائق العلم إنما تكتشف بالعقل فكذلك فإن معرفة الله قائمة على العقل ،وشرائع الدين الكلية كذلك قائمة على العقل إذ هي من الأمور الحكمية لأنه لا يوجد دين يمكن أن يتواصل مع كل الناس ،ولكن الله قد ركب في هذه الإنسان العقل القابل للعلم فهو بهذا قد تواصل مع جميع خلقه فالله تواصل بالوحي النبوي مع من اختصهم أما وحي الحكمة فهو متاح للجميع ،ألا ترى كيف عدد الله الأمور الحكمية في سورة الإسراء قال تعلى ( وقضى ربك الا تعبدوا إلا إياه ....."٢٢" إلى قوله ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة... " ٣٩" ) فعلى سبيل المثال نجد أن قواعد العدل يدركها الناس من خلال حاجتهم وضرورية التعايش العقلاني و التساوي في الحقوق لذلك التسليم بحقائق العلم مقدم على الإيمان لأن من ينكر ما هو واضح وبين فإنه من باب أولى سينكر ما سيكون في المستقبل قال تعالى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا أولو الأباب ) (٢٦٩) البقرة .
لا يستطيع أي رسول أو داعية ان يتواصل مع جميع الناس ،ولكن الله قد تواصل مع جميع خلقه ،بطرق مختلفة و الحكمة واحدة من هذه الطرق التي يتواصل الله بها مع خلقه
" أي إنه تعالى يعطى الحكمة والعلم النافع المصرّف للإرادة لمن يشاء من عباده، فيميز به الحقائق من الأوهام، ويسهل عليه التفرقة بين الوسواس والإلهام وآلة الحكمة العقل المستقل بالحكم في إدراك الأشياء بأدلتها، وفهم الأمور على حقيقتها- ومن أوتى ذلك عرف الفرق بين وعد الرّحمن ووعد الشيطان، وعضّ على الأول بالنواجذ وطرح الثاني وراءه ظهريا.) ٢
وأول طريق للحكمة هو معرفة الحقائق
أولا : كيف تتعرف على حقائق العلم كما هي دون زيادة او نقصان ؟
فالبعض يخلط بين ما هو حقائق يمكننا التأكد منها وهي قد حصلت في الماضي أو هي مشاهدة ،وبين ما هو محتمل في المستقبل ،فحقائق العلم ثابتة وما هو مشاهد ممكن التأكد منه ، ويمكن أيضا التأكد مما حصل في الماضي من خلال الدراسات والبحوث أو التوثيق الصادق ،وقد اشتملت السورة في الجزء الاول منها على الحقائق التي قد حصلت والتي هي مشاهدة ،وأول هذه الحقائق وأعظمها هو القرآن الذي بين أيدينا ، فافحصوه واختبروه ،وقارنوا بينه وبين لهو الحديث ثم احكموا ، فالقرآن مبرأ من الأوهام ومن لهو الحديث ،فالقرآن لا يخالط لهو الحديث ولا يقاربه ، ولا يؤاكله ولا يشاربه ،ولا يجاوره ولا يماشيه قال تعالى ( . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ(3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5)) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ(3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5) "لقمان "
وحتى نكون منصفين وصادقين وواقعين علينا أن نسمع ولا نصدر أحكاما مسبقة ثم لدينا عقول تفرق بين ما هو حق وما هو باطل ،فأحيانا قد تكون المعلومات لدينا شحيحة لكن حين تاتي معلومات فائقة الدقة والصدق فعلينا أن نستمع لها فمن يرفض القضايا قبل سماعها فإنه متكبر معاند وأشد منه من يعرف الحق ولا يسلم به قال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(7)
وعلى النقيض من ذلك المؤمنون الذين سلموا بالحقائق وأمنوا بحصول مثلها في المستقبل قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ(8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(9) "لقمان " ثم تتابع الآيات ذكر حقائق العلم
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(١١) لقمان .

{ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ..} فيا أنوار من في السماء ،ويا أعيان من في الأرض من الحكماء هل منكم من يخلق حيوانا من ماء ؟ هل منكم من ينزل قطرة من السماء ؟هل منكم من ينبت نبتتا من الثرى ؟فأجابوا إشارته بالعجز ولبوا عباراته بإخلاص الشكر والحمد ،إلا من ركب بتنكيس الجهل رأسه وسفه كما سفه الحمار نفسه فحق عليه القول : (بل الظالمون في ضلال مبين ( .

أما ما كان من الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان فإنها لا تتعارض مع القرآن بل يوجد توافق بينها وبينه ويوجد تكامل ،وما وعد القرآن بتحقيقه فإن الإيمان به يؤدي إلى الهدى والرشد ولا يؤدي إلى الإضرار بمن يؤمن ولا بغيره ،ولا حتى بمن كفر وهو مفيد للجميع ،
فالإقرار به اضطرارا والتسليم به حكمة وكمال ،يضطر العلم إذا عقد هنالك أن يشهد بأن العالم مخلوق والله الخالق فمن أمن به استحق درجة العلماء ،ومن عمل بمقتضاها رفع إلى منزلة الحكماء ،وهذه هي الحقيقة الثانية ( ولقد آتينا لقمان الحكمة )
ثانيا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(12)
لا قيمة للحق إن لم نكن معه ولا للصدق إذا لم نقف مع الصادقين ،والا كان العالم الذي لا ينتفع بعلمه كمثل الحمار تحمل أسفارا ،نعم لا قيمة لعلم لا يعمل به ،،وتنقية هذه الحقائق وتحيدها عما يتعارض معها هو جوهر الحكمة
(والحكمة أسرار الأحكام الدينية ومعرفة مقاصد الشريعة، قال ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة. أو نهتك عن قبيح فهي حكمة،)٣
وكما دلت عليه المعاجم اللغوية أن الحِكْمَةُ : معرفةُ أفضل الأشياء بأَفضل العلوم. لذلك كانت الحكمة أعم من العلم والحكيم أفضل من العالم فرب عالم ليس بعلمه عامل ....
فكل عالم مدعي والعمل يصدقه أو يكذبه فمن صدقت حجته قبلت دعواه لذلك اردف الله القول لبيان حجة لقمان فقال ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(13) ...
الشكر :
1• إن كانت التقوى هي الغاية من العبادات (لعلكم تتقون) فإن الشكر هو إحدى ثمرات التقوي (واتقوا الله لعلكم تشكرون)
2 • الشكر هو التحدي الأعظم بين الشيطان وبين رب العزة سبحانه وتعالي {ثم لا تجد أكثرهم شاكرين} لم يقل إبليس ساجدين ولم يقل خاشعين بل قال شاكرين!!
3 • الشكر هو عبادة الصفوة من خلق الله (وقليل من عبادي الشكور)
4 • الشكر هو الغاية التي امتدح الله بها الأنبياء (إنه كان عبدا شكورا)
وقال صل الله عليه وسلم (أفلا أكون عبدا شكورا)
5. الشكر يمنع العذاب قال تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم)
نسأل الله ان يجعلنا من الشاكرين.
يمكننا من هذه الوصية أن نأخذ مفهوم الدين وتعريفه بشكل بسيط ومفهوم دون تعقيد ،فلقد قدم لقمان الحكيم الدين لابنه بطريقة مبسطة ومفهومة بقسميه الإلهي والإنساني :
يقول العالم إسحاق نيوتين بتعريفه للدين " ينحصر الدين على أمرين التقوى والصلاح أو ما أطلق عليه القسم الإلهي والقسم الإنساني. فالتقوى أو القسم الإلهي تتألف من معرفة الله وحبه وعبادته أما الصلاح أو القسم الإنساني فهو حب الناس والعدل معهم وعمل الخير لهم."٤ فسبحن الله تشهد العقول بما جاء به القرآن إذ هو مطابق للفطرة والعقل ،ثم تاتي الوصية الثانية أن يبر بوالديه ويشكرهما ويقدر حقهما حتى وإن اختلفت توجهاتهما الدينية مع توجهه دون أن يلغي الحق الأول الإلهي *
وأما الجانب الأخر من الدين فهو حسن معاملة الناس ،وأمر أخر يتعلق بالتخلق بالخلق الكريم
وتحقيق ذلك قال تعالى :
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15).....إلى آية " 19"}
فمن الأمور الحكمية ( عليك بتكبير الله وتعظيمه ، وتعزير الرسول وتوقيره ،وبر والديك وتشريفه ،" فحب ربك من قلبك وبكل روحك وبكامل عقلك وهي الوصية الأولى والكبرى أما الثانية وهي لا تقل عنها عليك بحب جارك كما تحب نفسك. وعلى هاتين الوصيتين قامت جميع شرائع الأنبياء."٥
ثالثا : يمكننا أن نطلق على التسليم بالحقائق الذي ذكرناها ( إسلاما ) ، وتأتي الآية التالية تبين لنا الإيمان وهو امكانية تحويل ما كان من حقائق في الماضي والحاضر إلى حقائق في المستقبل قال تعالى : ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
رابعا : تحقيق الإيمان
وحتى يكون لك دورا في المستقبل فإنه يلزمك أن تصدق حدوث ما وعد الله به والتصديق يقتضي أن تعلم ولا تجهل ،وأن تتبع ولا وترجع ،وتعمل ولا تكسل ، وفي الخبر (ليس بالتحلي ولا بالتمني وإنما ما وقر في القلب وصدقه العمل) لذلك تابعت الآيات ما يتحقق به الإيمان
( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
خامسا : الخلق الكريم قال تعالى : ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) لقمان }]
أما النصف الأخر من السورة فقد تركز على دلائل الإيمان ،وقد ذكر الل جزء من هذه الدلائل بصيغة الاستفهام التقريري تكررت في ثلاثة مواضع ( ألم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات والأرض ..."20" وفي آية "29" وآية " 31" ) منها ولم يقل ( ألم تعلم ) لشدة ثبوتها ووضوحها ،وحتى وإن أدركت بالعلم فهو بمنزلة الرؤي ، وليكون ما هو مشاهد دليلا على ما أخبر عن تحقق حصوله مما غاب عنا في دار أخرته وجزائه ،ولأنه لكل شيء ذي بال وشأن عروة ،فإن عرة الدين الوثقى هو أن يستمسك الإنسان بالقرآن الكريم فمن فعل ذلك فقد أسلم وجهه لله واستمسك بعروته الوثقى قال تعالى : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور" ٢٢" لقمان.) وختمت السورة بالوصية بالتقوى
...
والخلاصة
ما ذكره الله عن الحكيم لقمان ينطبق مع ما اقتاضته حكمة كل عقل صاف من كدر الجهالة ،فقد شهدت عقول أهل العلم والحكمة منذ أن سطرت عبارات الحكمة لأفلاطون وارسطوا وغيرهم نجدها قد اتفقت على الحقيقة الكبرى بأن لهذا الكون خالق واحد ،وقد قرات للعالم الكبير إسحاق نيوتين كلاما يتوافق مع القرآن الكريم {قال نيوتن في إحدى مقالاته معرفا الإله الذي يعترف به ويعبده بدون أي واسطة (وهكذا علينا الإعتراف بإله واحد لانهائي أبدي موجود في كل مكان عالم بكل شيء قادر على كل شيء الخالق لكل شيء الحكيم العادل البر القدوس الذي لا إله إلا هو. وعلينا أن نحبه ونخافه ونقدسه ونتوكل عليه ونصلي له ونشكره ونحمده ونبجل اسمه ونطيع أوامره ونخصص أوقاتا لخدمته كما جاء في الوصايا الثالثة والرابعة. لهذا فإن حب الله هو في حفظ أوامره وأوامره ليست صعبة. وعلينا أن لا نفعل هذه الأشياء لأي وسطاء بيننا وبين الله ولكن له وحده لكي يرسل علينا ملائكته التي تتعهدنا والذين هم كشركائنا في العبودية يسعدون بالعبادة التي نقدمها لربهم. إن هذا هو الجزء الأول والرئيسي للدين. لقد كان هذا وسيبقى دائما هو الدين لجميع عباد الله منذ بداية العالم وإلى نهايته. }٦
ومن أقوال نيوتن في تشنيعه على الشرك والوثنية فقال :(الوثنية جريمة خطيرة لانها تتماشى مع سلطة الملوك وهي تندس إلى البشر من خلال ذرائع مغرية.......)٧ وهذا يتوافق مع ما جاءت به الآيات في سورة لقمان وفي الآيات المشابهة لها في القرآن الكريم .
اللهم نسألك حكمة الحكمة مع الحياة الطيبة والموتة الحسنة نسأل الله ان ينفعنا بالقرآن ويجعله لنا هاديا ورحمة وان يرزقنا اتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويغفر لنا ووالدينا والمسلمين ويرحمنا والمسلمين ويفرج عنا والمسلمين ويكفنا شر مصائب الدنيا والدين برحمته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما دائما بدوامك .
....
الهامش :
.....
١- للشيخ احمد ابن علوان في كتابه التوحيد الاعظم
* وهو ما جاء معترضا بين وصية لقمان لمناسبة أن تكون الوصية بالوالدين من الله ،وليست من لقمان وذلك أبلغ
٢ – تفسير الدكتور مصطفى المراغي .
وجاء في تفسير تيسير الكريم في قوله تعالى ( ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) ( وكماله يتوقف على الحكمة ، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية ،فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به ،وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر ،وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل ،وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره وبدون ذلك فليس من الطبيعي أن يتمكن مما ذكر ؛ ما أوتي من حكمة والحكمة تحمل القوة العلمية والمعرفية ،وكمال العمل ،لما كان الله قد فطر عباده على محبته وعبادته ومحبة الخير والشر ( تيسير الكريم الرحمن الآية ٢٦٩ " البقرة ص ١١٨ ج ١)
وفي تفسير الرازي (، وقَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ﴾ عِبارَةٌ عَنْ تَوْفِيقِ العَمَلِ بِالعِلْمِ، فَكُلُّ مَن أُوتِيَ تَوْفِيقَ العَمَلِ بِالعِلْمِ فَقَدْ أُوتِيَ الحِكْمَةَ، وإنْ أرَدْنا تَحْدِيدَها بِما يَدْخُلُ فِيهِ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعالى، فَنَقُولُ: حُصُولُ العَمَلِ عَلى وفْقِ المَعْلُومِ، والَّذِي يَدُلُّ عَلى ما ذَكَرْنا أنَّ مَن تَعَلَّمَ شَيْئًا ولا يَعْلَمُ مَصالِحَهُ ومَفاسِدَهُ لا يُسَمّى حَكِيمًا ....) انظر مفاتيح الغيب — فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
........................................................................................
٣ -( في تفسير الآية ١٢٩ البقرة " تفسير مراغي )
٧،٦،٥،٤– إسحاق نيوتن ومعتقداته الدينية المتوافقة مع القرآن
كتبت بواسطة MANSOURABBADI on مارس 26, 2015
إسحاق نيوتن ومعتقداته الدينية المتوافقة مع القرآن
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد