الذين حَبِطت أعمالهم

mainThumb

26-03-2023 10:00 AM

سيكون مدار حديثنا حول كلمة "حَبِطت" في الآية 22 من سورة آل عمران، بعد أن نعرج على الآية السابقة لها والتي تذكر صفات فئة من الناس، المتمثلة بالكفر وقتل الأنبياء وقتل الذين يدعون إلى الحق، وهم في الآية "اليهود" وقد يتصف بهذه الصفات غيرهم ممن يفعلون فعلهم ويعملون بهديهم...
قال تعالى في سورة آل عمران: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (21).
فمن كانت هذه صفاتهم فبشرهم بالعذاب الأليم، ثم تصف الآية 22 أصحاب الصفات السابقة، وكيف كان مسارهم في الدنيا جراء أفعالهم المشينة، والى أي نتيجة ستوصلهم، وكيف سيرون بأعينهم في الدنيا أن ما عملوه في حياتهم وتعبوا فيه حتى اكتمل وظنوا أنهم حققوا مرادهم، فجأة ينهار أمام أعينهم دون أي مقدمات..
المقصود من هذا، أن الله سبحانه وتعالى استخدم لفظة بل "حالة" يعرفها العرب، تدل على انهيار كل ما بناه أهل الشر، بالباطل والظلم والإجرام بحق البشرية.. وهذه الحالة هي "الحَبَط".. فما هو الحََبط؟.
قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (22)آل عمران.
الحبط مرض يصيب المواشي، وهو ليس مرضاً عضوياً، وإنما هو مرض نفسي في الدابة يتعلق بالشره، فتحاول جمع كل شيء حتى لو حرمت صغارها، وتأكل كل ما تراه حتى لو لم يستوعب بطنها كميات الأكل الذي تأكله، حتى يصل في النهاية إلى نقطة "الحبط" فيتوقف الجهاز الهضمي عن العمل فتحَبَط الشاة، فتموت.. وقد يقع في ذلك الإنسان ولا ينجو إلا بتدخلات طبية..
هاتان صورتان تمثلان الانتهاء المفاجئ في قمة العطاء جراء تنكب الحق، صورة الشاة التي تأكل دون وعي إذا وجدت الطعام حتى تموت، وصورة العمل الذي يزداد ويكبر دون التزام بالحق وهدي الله، فينهار ويصبح هباء منثورا.. وهو عمل أعداء الله والإنسانية..

في الموقف الدولي هناك دول تستولي على مقدرات الأمم وتمنعها من الاستمتاع بها وتستحوذ على كل شيء بقوة السلاح، ولكن كل ما جمعته واستحوذت عليه، سينهار في لحظة لأنه قائم على الشره والأنانية والجمع غير الصحيح، -الجمع الصحيح يقوم على الهدي الرباني المتصف بالاعتدال والتفكير بالآخر وضمان حقه بالحياة والموارد التي أودعها الله سبحانه في الأرض-، ودول العالم الكبرى معظمها من هذا النوع الذي ينتهي بالحبط، لكن لابد من وجود النموذج المقابل ليعجل في عملية الحَبَط لهذه الدواب..

دولة الاحتلال من هذا الصنف، وتحدثت الآيتان عن أسلافهم الذين ينتسبون لهم، وكيف تحبط أعمالهم بالرغم من الدعم والتمكين من قوى الشر ، ولكن عند نقطة معينة تحبط أعمالهم في الدنيا (فقدان الكيان الشره القائم على الصفاقة وتجاهل البشر واحتقارهم، لوجوده) وفي الآخرة تحبط أعمالهم لأنهم يدعون أن وقاحتهم وتعديهم على الشعوب راجع إلى هدي رباني، ولكن الله سبحانه يخبرهم أن مصيرهم إلى زوال مهما تمادوا وانتفخوا، فستأتي لحظة ينهار كل شيء وتنتهي أسطورة الصفاقة والشره، لكن أيضاً لابد من قانون التدافع الذي ذكره سبحانه لوصف الصراع بين الحق والباطل..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد