موازنة العراق

mainThumb

29-03-2023 03:55 AM

أطلقت الحكومة العراقية ميزانية 2023 بإجمالي 197.8 تريليون دينار عراقي (نحو 152.1 مليار دولار)، حيث بلغت المصروفات التشغيلية 150.2 تريليون دينار (نحو 115.5 مليار دولار)، في حين تلك الاستثمارية 47.5 تريليون دينار (نحو 36.6 مليار دولار)، أمّا العجز فهو 63.2 تريليون دينار (49.3 مليار دولار)، واعتمدت الحكومة سعر 70 دولاراً لبرميل النفط، بالنظر إلى أن أكثر من 95 في المائة من إيرادات الموازنة تعتمد على مبيعات النفطـ وأن الموازنة ستدخل في موقف محرج إذا انخفض سعر خام برنت إلى نحو 60 دولاراً للبرميل، إذ ستكفي الإيرادات النفطية عندئذ لتغطية فقرتَي رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية اللتين تصلان إلى أكثر من 87 تريليون دينار (66.9 مليار دولار) في الموازنة، حيث إن هذا الأمر سيؤثر بشكل كبير على العراق خصوصاً لأن هناك نحو 32 في المائة عجزاً بالموازنة، بعد أن تضخمت الموازنة التشغيلية بشكل كبير، فيما تضاءلت الموازنة الاستثمارية.
واستناداً إلى «التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022»، تنخفض مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الإجمالي، إذ تسهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 5 في المائة في توليد الناتج المحلي الإجمالي للعراق، والصناعات التحويلية بمقدار 2 في المائة، في حين تسهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.2 في المائة، وهذا يمثل خللاً هيكلياً في الاقتصاد العراقي؛ إذ إن مساهمات القطاعات السلعية منخفضة جداً في توليد الناتج المحلي الإجمالي وهذا يؤدي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي، والتي لا ترى نمواً حقيقياً في القطاعات الإنتاجية وإنما نمواً في عائدات الحكومة النفطية نتيجة تحسن أسعار النفط خلال عامي 2021 و2022. بالمقارنة، أطلقت السعودية ميزانية عام 2023 بإجمالي إيرادات بلغت نحو 338 مليار دولار وإجمالي نفقات بلغ 310.3 مليار دولار، مسجلةً فائضاً مالياً مقداره 27.6 مليار دولار، مقارنةً مع عجز بلغ 49.3 مليار دولار في الاقتصاد العراقي، علماً بأن السعودية والعراق من أكبر منتجي ومصدّري النفط في العالم وتتشابه ظروفهما الاقتصادية تاريخياً.
حدد الاقتصاديون مصادر النمو، إذ تعود إلى خمسة متغيرات، هي: التوسع في الطلب الاستهلاكي، والطلب الاستثماري، والتوسع في الصادرات، وزيادة إحلال الواردات، ومن ثَم التقدم التكنولوجي من خلال الابتكار والإبداع والبحث العلمي، إذ إن هذه المتغيرات تلعب دوراً مهماً في الاقتصادين السعودي والعراقي، فقد أكد بيان الميزانية أهمية توسيع القاعدة الصناعية لتصبح مصدراً أساسياً للدخل، إذ تعد الصناعة مصدراً أساسياً للنمو إذا كانت نصيبها في الناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن 25 في المائة لكنّ البيانات تبيّن أن مساهمة الصناعة التحويلية في الإنتاج المحلي الإجمالي بلغت نحو 13 في المائة في السعودية عام 2022، مقارنةً مع العراق، إذ بلغت 2 في المائة استناداً إلى بيانات «التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022»، ومقارنةً بالدول حديثة العهد بالتصنيع مثل البرازيل وتايوان وماليزيا، فإنها منخفضة، حيث بلغت في ماليزيا نحو 23.9 في المائة استناداً إلى بيانات صندوق النقد الدولي 2022.
وأكد بيان الميزانية الاستمرار في تنفيذ المشروعات الكبرى والمبادرات المعلنة، كبرامج التحول الوطني، وتطوير الصناعة الوطنية، والخدمات اللوجيستية، وغيرها من برامج ومبادرات ومشروعات، من شأنها تحقيق تغيرات هيكلية إيجابية تؤدي إلى توسيع القاعدة الاقتصادية، ورفع مستوى جودة حياة المواطنين، إذ إن الإصلاحات الاقتصادية والمالية تسهم في مواصلة دفع عجلة النمو، رغم التحديات والأزمات المختلفة التي تواجه اقتصادات العالم، والتي تؤثر على مسار نمو الاقتصاد العالمي وآفاقه المستقبلية، كأزمة الغذاء والتضخم وتعطل سلاسل الإمداد والاضطرابات الجيوسياسية والفساد والمحسوبية.
كما تستهدف الميزانية تحقيق التنمية الشاملة وتوفير فرص عمل وأعمال جديدة ورفع جودة حياة المواطنين، وتبني سياسات متسقة لمواجهة الأزمات العالمية، والسعي نحو تمكين القطاع الخاص من قيادة النمو الاقتصادي، ومواصلة جهودها في رفع كفاءة الإنفاق والضبط المالي؛ حيث تستهدف تحقيق التنمية الشاملة على المستويين المناطقي والقطاعي، وتطوير القطاعات الواعدة التي تسهم في تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية، مع الاستمرار في تنفيذ برامج ومبادرات منظومة الدعم والحماية الاجتماعية، مع التركيز على التحول الهيكلي والتقدم التكنولوجي والدور المحوري للمبادرات ومشاريع التنوّع الاقتصادي الحكومية المدعومة باستثمار القطاع الخاص، وتأثيرها الإيجابي في النمو الاقتصادي وتحسين النظرة المستقبلية.
وفي الختام، لا وجود لحيز مالي توفره الإيرادات البالغة 103.5 مليار دولار إزاء النفقات البالغة تخصيصاتها 152.1 مليار دولار، وبعجز مقداره 49.3 مليار دولار والتوجه إلى التغطية بالاقتراض الخارجي والداخلي، فأين الملاءة المالية في ظل المديونية المتزايدة والتي تبلغ 162.7 مليار دولار لسنة الموازنة 2023، علماً بأن الحيز المالي هو المساحة المتوفرة للدول كي تزيد من عجز موازنتها العامة بصفة مؤقتة دون التأثير على نفاذها للأسواق أو بقاء مديونيتها في حدود يمكن تحملها؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد