عادل إمام .. صوتُ الشّعبِ أم السُّلطة

mainThumb

11-07-2023 03:58 AM

ظهورُ عادل إمام عبْرَ «الميديا» صارَ نادراً، ولا يتجاوَزُ في العادةِ دقيقةً أو اثنَتَيْنِ، مثلما حدثَ قبلَ نحوِ شهرينِ في عيدِ ميلاده، عندما اقتَنَصَ الإعلاميُّ شريف عامر حواراً قصيراً، عبر برنامَجِهِ عبرَ «إم بي سي» مصر، كانتْ كفيلةً بأن تضعَ حداً للشائعاتِ التي تناولَتْ حالته الصحيةَ بكثيرٍ من المُبالغات. عادل إمام غابَ عن الاستوديوهاتِ، نحوَ ثلاثِ سنواتٍ، وأغلَبُ الظنِّ أنّه لن يعودَ للتمثيلِ مُجدّداً، هذه الملاحظةُ مجردُ اجتهادٍ شخصيٍّ من كاتبِ هذه السطور. إلَّا أنَّ عادل وما قدَّمَهُ من رصيدٍ ضخمٍ، تبثُّهُ كلُّ الفضائياتِ العربيّةِ، لا يزالُ مؤثِّراً بل ومُلْهِماً، وفي أيِّ لحظةٍ تديرُ «الريموت كونترول» سوفَ تُشاهِدُ عادل، في فيلمٍ أو مُسلسلٍ أو مسرحيةٍ، وربما للمرّةِ المائةِ، سوفَ تضبطُ نفسكَ وأنتَ تضحك، مثلما ضحكتَ أوَّلَ مرةٍ. مساءَ الجمعةِ الماضي، قدَّمَتْ الإعلاميةُ راندا أبو العزم عبرَ قناةِ «العربية» فيلماً وثائقياً «عادل أمام... ذاكرةٌ مصريةٌ»، المقصودُ أنَّ مسيرةَ عادل الشخصيّةَ نسجتْ ملامحَ وحياةَ الوطن، فجَّرت راندا مفاجأةً، أو بالأحرى وثَّقتها، وهي محاولةُ اغتيالِ عادل إمام في التّسعينات، من خلالِ الإخوانيِّ التائِبِ الذي كان مُكلَّفاً بتنفيذِ الجريمةِ أمام مسرحِ «الزّعيمِ» بشارعِ «الهَرَم»، وحكى كيفَ أنّهم كانوا يُخطِّطونَ لكي تصلَ الرسالةُ لبثِّ الرعبِ في قلبِ كلِّ مَن يفضَحُ «الإخوانَ»، ليرتعِدَ خوفاً من أنْ يلقى المصيرَ ذاتَه، ستُراقُ دماؤُهُ على الأرضِ مثلَ عادِلْ، الحراسةُ المشدَّدَةُ التي فرضَتْها الأجهزةُ الأمنيةُ، دفعت التنظيمَ الدمويَّ إلى إرجاءِ العمليةِ أكثرَ من مرةٍ. استضافت راندا العديدَ من الشخصياتِ الفاعِلة، لتقديمِ شهادةٍ حول تلكَ المُعْضِلة الفارقةِ «عادل إمام والسّلطةُ على صفيحٍ ساخِنٍ». هل كانَ معبّراً عن السلطةِ فأصبحَ ذِراعَها الناعمةَ، لتوجيهِ ضرباتٍ قاتلةٍ ضدَّ تلكَ الجماعةِ، أم أنه كانَ مُعبِّراً عن قناعاتِهِ الشخصيةِ، الرافضةِ لحكمِ التيارِ الدينيِّ، من بين الذين وثَّقوا شهادَتَهُم وزيرُ الثقافةِ الفنان فاروق حُسني وزيرُ الثقافةِ التاريخيُّ في زمنِ مبارك الذي استمرَّ على الكرسيِّ خمسةً وعشرينَ عاماً، وغادره قبل أشهرٍ قلائِلَ من ثورةٍ الخامِسِ والعشرينَ من يناير (كانون الثاني)، وأيضاً الوزيرُ حلمي النمنم الذي شغلَ المنصبَ نفسَهُ ثلاثَ سنواتٍ، والإعلاميُّ والكاتبُ الصحافيُّ والمنتجُ عماد أديب والمفكرُ الدكتور مصطفى الفِقِيْ سكرتيرُ الرئيسِ حسني مبارك للمعلوماتِ سبعَ سنواتٍ، من العامِ خمسةٍ وثمانينَ حتّى العامِ اثنين وتسعين، والكاتبُ الأديبُ عمار علي حسنْ والفنانةُ يُسرا وآخَرون.
القضيةُ لها أكثرُ من زاويةٍ، الشريطُ في النهايةِ يؤكِّدُ أنَّ عادل كان يعبّر عن قناعاتِهِ، ارتضى أن يقفَ في أولِ صفوفِ المواجهة، أغلبُ النجومِ شاركوا في أعمالٍ فنيةٍ ضدَّ الإرهابِ والتطرف، إلَّا أنَّ جماهيريةَ عادل إمام الطاغيةُ، وأيضاً إصرارُهُ على أن تظلَّ تلكَ هي قضيَّتُهُ، وضعاهُ مباشرةً كلوحةِ تَنْشينٍ، في مواجهةِ نَصْلِ سكاكينِ الإخوانِ وأمامَ فوَّهاتِ رصاص مسدَّساتِهم. عادل لمْ ينضمَّ رسمياً لأيِّ حزبٍ حاكِمٍ، سواءً في زمن الساداتِ أو مبارك أو مُرسي، إلَّا أنَّه في الوقتِ نفسِهِ كان يرسِلُ إشاراتٍ للسلطة، تؤكِّدُ أنه لا يقفُ أبداً على الشاطئ الآخَرِ، أمسكَ بمعادلةٍ زئبقيةٍ فهو صوتُ الشعبِ للسُّلطة، وصوتُ السلطةِ للشَّعب. علينا ألا نُغفلَ، أنَّ أيَ عملٍ فني في عالمِنا العربيِّ، لا يمكنُ أن يرى الضوءَ الأخضَرَ من دونِ موافقةِ الدولةِ، عادل استغلَّ اقترابَهُ من السلطةِ لكي يقدِّمَ مشروعَهُ الفنيَّ.
عندما يتردَّدُ المسؤولُ في التصريحِ بتصويرِ الفيلمِ أو عرضِهِ، يتواصَلُ مباشرةً مع الرئيس، فعلها ثلاثَ مراتٍ مع مبارك في أفلامِ «الإرهابيِّ» و«الجَردل والكَنَكَة» الجزءُ الثاني من «بَخيت وعديلة»، و«السَّفارة في العَمارة». عندما جاءَ مرسي للسُّلطة، كان عادل يدرِكُ قَطْعاً أن المطلوبَ هو الانتقامُ منه، وقبل ذلكَ التشهيرُ به، وحصلوا فعلاً على حكمٍ بالسجنِ ثلاثةَ أشهرٍ بتهمةِ ازدراءِ الأديان، وبعدها أقاموا دعوىً بأثرٍ رجعيٍّ ضدَّ فيلمِ «طيورِ الظَّلام» وحصلوا أيضاً على حكمٍ مَبدَئِيٍّ بالسجن.
كان عليه أن يُهادِنَ محمد مرسي، في العامِ المظلِمِ الذي حَكَمَنا فيهِ الإخوانُ، وحضر واحدةً أو أكثَرَ من جلساتِهِ، وعندما خرجَ من الاجتماع قالَ إنَّ مرسي مثقفٌ ويشاهدُ السينما الأميركيّةَ ولا يُعادي الفنَّ.
لا تنتظر من فنانٍ أو مثقفٍ، أن يصطدِمَ مباشرةً، بسلطةٍ تملكُ كلَّ أسلحةِ الدمارِ الشاملِ، فهي في لحظاتٍ تستطيعُ مصادرةَ أموالِهِ والزجَّ به إلى السِّجن. بقدْرِ المستطاعِ حاولَ عادل أن يتحلّى بالمرونةِ، ويقفَ بثباتٍ تحتَ هَجيرِ السلطةِ، في زاويةٍ ما هو صوتُ السلطةِ للشَّعْبِ، بينما الوجهُ الآخَرُ للحقيقةِ أنّه صوتُ الشعبِ للسلطة. دوماً كانَ وسيظلُّ، أيقونةً مصريةً وعربيةً عَصِيّةً على التِّكرار !.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد