المسيرة السياسية في موريتانيا إلى أين

mainThumb

29-08-2023 12:41 AM

بداية يجب القول إنه لمن الممكن أن تكون العملية السياسية برمتها مصابة بوباء أو تلف يصل إلى درجة العجز عن تقديم أي نوع من الإصلاح أو التنمية للنهوض بواقعها حتى لو كان ذلك بتدرج على مراحل تسير بشكلها الطبيعي وفق للتشريعات الرشيدة أو المشرع الصالح المهني المحايد، ورقابة الحكماء من كبار السن ذوي الخبرة والنزاهة والتقوى، والحياد والمهنية والرقابة القويمة هنا هما الأساس الأول لهذه النهضة السياسية التي يجب أن يبدأ الإصلاح فيها من القواعد المؤسسة لسلطة تشريعية تلبي المصلحة العامة وترعى الحقوق الوطنية للجميع رعاية شاملة بقوة واستقلالية، وتصون الدستور صيانة تامة وبقدسية صيانة للأمانة ومخافة وحياء من الله والمجتمع.
لا أن تكون السلطة التشريعية محلا للاستعراض لا محل له من الإعراب، والمؤسف أن تكون قبة السلطة التشريعية مساحة للتكتلات التي تفضي بالنهاية إلى حماية رؤيةً وتوجهاً سياسياً يخدم فئة أو طبقة بعينها لا تمثل الوطن أو انتماءٍ آخر يمكن لها أن تلتصق به، وبالتالي نجد أنفسنا ندور في دائرة مفرغة تبدأ بالمربع الأول وتنتهي إليه كما مخطط له والأمثلة على ذلك كثيرة ....، وهنا لا نريد لنا في موريتانيا وطن الجميع ومسؤولية الجميع أن يحل بنا هكذا سيناريوهات وأن تقع علينا هكذا وقائع.
الاسترقاق الانتخابي
الاسترقاق الانتخابي مصطلح قاسٍ في عالمنا المعاصر وفي دولة منهكة كموريتانيا أهلكتها العبودية ثم الحقب الاستعمارية ثم والقبلية ثم سياسة العبودية المنمقة في شكلها المعاصر الذي يملك فيها الإنسان حريته بموجب القانون لكنه في واقع الحال ليس عبداَ فحسب بل عبداَ أسيراً أيضاً أسيراً بالقيود التي يفرضها عليه الإقطاع وبالثغرات التي يغفل عنها المشرعون والمنفذون أو يتغافلون عنها تلبية لمنافعهم الطائلة التي اعتادوا عليها على حساب عبيد الأمس الذين لابد لهم أن يستمروا عبيداً بشكل أو بآخر وذلك بإبقاء حاجتهم بيد سيد الأمس الذي لا زال ويريد أن يبقى سيداً متسلطاً جشعاً منه وبغياً مستفيداً في ذلك من تغافل السلطات (...) وتغييب القانون وضعف المؤسسات وغياب الوازع الديني والأخلاقي والحضاري، ومن لم تردعه قيم الدين في بلد إسلامي كموريتانيا عن استعباد الغير وانتهاك الأعراض والحرمات ونهب الحقوق العامة والخاصة وسرق حق الغير في الحياة والكرامة والرزق الكريم وملكية كريمة في بيت أو أرض يفلحها حتى لو كانت تلك الملكية ضئيلة أيضاً لن يرتدع عن سرقة صوته ومصادرة رأيه ووجوده وحقه الانتخابي الذي هو استحقاق وطني وإنساني له وفي منتهاه سيكون وسيلة إصلاح للشأن العام وأساس لاستقرار وتقدم وطن حر كريم يزهو بكامل أبنائه في ظل قيم المواطنة.
إن الإسترقاق الانتخابي شكلاً من أشكال العبودية المعاصرة وممارسة لتغييب شريحة عظمى من المجتمع وترويضها على القبول بالنمطية السياسية القائمة على افتراض أنه لطالما هناك صندوق انتخابات إذن فهناك ديمقراطية قائمة بغض النظر عن الحقائق المفضوحة وتفاصيل ما يجري من بؤس وجرائم بحق المسيرة السياسية التي من المفترض لها أن تنمو وتزدهر في موريتانيا.
ما لم تتمخض العملية السياسية في موريتانيا عن قضاء عادل رشيد ومشرع مهني حكيم نزيه محايد، ومرشحٍ وناخبٍ حقيقيين لا تقودهما أدوارهما وحقوقهما إلا إلى المصلحة العامية وتكون المصلحة الشخصية نتاجا لها، وصندوق انتخابات مصان ومحمي من العبث والجريمة، وعملية انتخابية حرة لمجتمع حر لن تكون هناك عملية سياسية حضارية في موريتانيا ولن تكون هناك ديمقراطية ولا عدالةٍ إجتماعية.
إن ما تدعو إليه (ايرا) التي لا هم لها سوى نهضة موريتانيا وجميع أهلها ليس ضرباً من الوهم أو الخيال أو توجه فئوي وإنما هو دعوة من أجل الإنسان والوطن وقيم العدالة الاجتماعية التي تصون الاعتبارات والحقوق للجميع.. إنها دعوة حق واجبة التحقيق وممكنة ومشروعة من أجل تحقيق السلم المجتمعي وتعايش أفضل بين جميع الموريتانيين، ومن أجل جعل كل من يفوز من خلال صناديق الاقتراع الحرة خادما للوطن والشعب وليس متميزا على حساب الوطن والشعب.
قد يُفلح من استعبد الناس الذين خلقهم الله أحراراً من ظهر أبيهم آدم بسلب وجودهم وكرامتهم وقوت يومهم ورأيهم مرة واثنتين وثلاث لكنه لن يُفلح على طول الخط وإن سعى، وعلينا أن نحذر العواقب وطوفان الغضب الشعبي؛ وإن تنامت رغبات وأطماع الغير التي فاقت حدود كل شيء فليعلموا أن غضب الجياع والمحرومين والمستعبدين في تنامٍ مستعرٍ أيضاً وعلى وشك الانفجار وهو قادم لا محالة.. فاحذروا ذلك الإنفجار.

 


* نائبة برلمانية موريتانية






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد