حينَ يتجاسر الفلسطينيّ فوق قدرة البَشَريّ

mainThumb
REUTERS

15-10-2023 09:33 PM

 

لا يحتمِل الوضع الفلسطينيّ حاليًا، أيّ نوع من الفلسفة في غيرِ محلّها أو (الفذلكة)، ولا يحتمِل حروبًا صغيرة تُدار (عمدًا أو جهلًا) في الهامش والظلّ والعجز والمزاودة. وفي استمرار هذا العدوان لليوم التاسع على التّوالي، بارتفاع مهول في عدد الشّهداء، فلا نكادُ.. نحنُ البعيدونَ والعاجزون.. نغلقُ أعيننا خَجَلين، لننام قليلًا إلّا ويرتفع عدد الشّهداء، وإنّنا نحاول والله أن نقرأ أسماءَ الشهداء، وأسماءَ عائلاتهم.. وإنّنا بهذا الفعل العاجِز نحاول.. كما دائمًا.. إنقاذهم من أن يصبحوا أرقامًا.. فكلّ واحدٍ منهم له قصّته، ونحاوِل بهذه الكتابة المشوّشة والمرتبكة أن لا نُجن. ونحنُ في البعيد.. و"نستحي ونحنُ نحدّق في صورهم".. ويطبق صمت ثقيل علينا.. والعجزُ يخلّف الصّمت، ونحاول أن لا نستسلمَ له أبدًا، رغمَ كلّ هذا أجدني اليوم و(أمس)، أفكّر في جملة من الملاحظات...:
*. إنّ المتتبع للخطاب الفلسطينيّ، يرى أنّه خطابٌ مبني على أساسِ الحقّ والعِزة والقوّة واليقين، في حينِ أنّ خطاب الاحتلال كلّه مبني على (استلباس) واستدعاء دورِ الضّحية، وهو خطابٌ عنصريّ وجبان ودائمًا متورِّط بادعاء فِعل "الدفاع عن النّفس".. ودائمًا هو تحتَ التّهديد. في حين أنّ المظلوم الحقيقيّ والضحية الحقيقيّة تعيدُ التأكيد على قوّتها وعزّتها وبطولتها. ودونَ الخوض في ثانيّة البطولة والضّحية، إلّا أنّ الفلسطيني حقيقةً يمارسُ كلّ أنواع البطولة الفعليّة والمعنويّة، بطولة استمرار اعتبارِ الاحتلال طارئًا وزائلًا، بطولة استمرار نبذ خطابِ التّخاذل الذي لا يُشبهه، بطولة أن لا يفقدَ إنسانيّته، بطولة أن لا يُجنَّ من هَولِ ما يرى، بطولة أن يستطيعَ أن يُكمل.. رغمَ انغلاق الأفق والرؤيا. إنّ سنواتِ الاحتلال كلّها خلقت مزيجًا متناقضًا داخلنا، ما بين القوّة والصبر والحزن والسّخرية لا يُمكن لأحد استيعابه أبدًا. وإنّي لأنظرُ إلى عائلاتٍ تُباد بالكامل.. وآلاف البيوت.. وأشمّ رائحة الموت تعبُرُ الشاشة إلى صدري، وأشاهد صور المقابر الجماعيّة وانهيار النظام الصّحي وتصريحاتِ الأطباء: "لن نغادر".. وأعودُ أنظرُ إلى مقدار اليقين والضَّعفِ القويّ هناك، وعندما يقولُ الغَزيّون "حسبُنا الله.." أو "فِدنا الوَطَن".. أو حينَ يتجاسرونَ فوقَ قدرة البشريّ على التّجاسر، وكلّما أكادُ/ نكادُ نستسلمُ للإحباط.. ننظرُ إلى همّتهم.. ويواسونا أكثر مما نوسايهم.
* إذا تضامن محمّد صلاح أو لم يتضامن فلن يدخل ذلك لتر ماء واحد لغزّة. إلغاء المتابعة جيّد، وأي شيء يمكن فعله جيّد.. ولكن دونَ أن تتحوّل المعركة لمعركة حول محمد صلاح.. وغيره.
* أشياء قليلة بالإمكان فعلها. إدارة مِيتا تقوم بمحاربة المحتوى صحيح، وصحيح جدًا. لكن بدل أن يمتلئ الفيسبوك بمنشوراتنا حول الأمر بالإمكان المساهمة بطريقة أكثر عقلانيّة في مشاركة المحتوى الذي نراه مهمًا ومعبرًا.. وذلك بالدخول إلى صفحة الأشخاص الذينَ نعتقد أنهم يكتبون ما يستحقّ القراءة والانتباه. أنا أدخل لصفحات عدد من الأصدقاء بشكل دوريّ.
* هناك قاعدة أساسيّة في (العقاب) وهي الإهمال بالتَّرْك. وأيضًا بدل أن ننشغل بمعاتبة من ينشرون قصص حياتهم يمكننا أن نتجاوزها بسهولة كأنّنا لم نرها، ونستطيع أن نلغي متابعتهم أو أي شيء نشاء ولكن في الهدوء والصمت ودونَ أن تصبح هذه هي الأخرى معركة.
* هناك وقت جيّد سيكون، بعد انتهاء هذه المأساة والجريمة لتتبّع كلّ الذينَ (خُدعنا) بهم.. مِن كتاب وفنانين وسياسيين ومتخاذلين وغيرهم.. لكن الآن "طوبى لمَنْ كادَ يكتشفُ الوردَ في المزبلة"... إنّنا نبحث عمّا يرفع معنوياتنا.. وعن المواقف الحرّة.. ونعلم تمامًا أنّ هناكَ تخاذلًا عامًا وصمتًا عامًا.. وننتقده في سياق الحديث دونَ أن يصرفنا عن القضية الأساسيّة.
* كلّنا عاجزون إلّا من هذه الأشياء البسيطة.. من إيصال ما يحدث في العالم.. نحتاج للكتابة بالعربيّة أولًا وكل لغات العالم ثانيًا.. ولو حقّقنا أنّ واحدًا فقط في العالم غيّرَ فكرة واحدة خاطئة عمّا يجري في فلسطين فهذا جيّد. ليسَ بطولة لكنّه جيد وفقَ المستطاع.. ولو حققنا أنّ كل شخص قام بفعل المقاطعة لمنتجات داعمي الاحتلال وحده فهذا يكفي، دون، أيضًا مرة أخرى، أن تصبح قضيتنا ملاحقة النّاس.... نطلب دائمًا دعمًا ومواقف عربية ودولية وإنسانيّة.. وكل إنسان بما يستطيع.. واللوم على مَن استطاع ولم يفعل شيئًا.. بمن شاهدَ ولم يدمع حتّى.. بمن لم يجد في نفسِهِ "حرجًا".. مما يجري.. منه لنفسِهِ.... ومنّا لِما نقتنع ونحس ونستطيع ونعيش وعِشنا ونعرف ونعلم ونقتنع ونؤمن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد