مُعَلِّمٌ مات غريبا
كنت قديما أقرأُ في أسفارِ الأدب قصصاً حول من مات غريبا ؛ وكانت تستهويني قصتان هما :
قصة امرئ القيس عندما رحل عن بلاده ومات غريبا في أرض الروم ؛ وساعة احتضاره رأى قبرا قريبا منه ، فسأل عنه ، فقيل له : إنّه قبرُ أميرة من أميرات الروم ماتت هنا ، فأنشد هذا الشاعر العربي الغريب في تلك الديار الرومية :
أَجَارَتَنَا إِنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ
....... ُوَإِنِّي مُقِيمٌ مَا أَقَامَ عَسِيبُ
أَجَارَتَنَا إِنَّا غَرِيبَانِ هَاهُنَا
........ ُوَكُلُّ غَرِيبٍ لِلغَريبِ نَسِيبُ
فَإِنْ تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا
......... وَإِنْ تَصْرَمِينَا فَالغَريبُ غَريبُ
أجَارَتَنَا مَافَاتَ لَيْسَ يَؤؤبُ
.......... ُومَاهُو آتٍ فِي الزَّمَانِ قَريبُ
ولَيْسَ غَريبًا مَنْ تَنَاءَتْ دِيَارُهُ
....... ولَكِنَّ مَنْ وَارَى التُّرَابَ غَريبُ
فامرؤ القيس يستأنس بهذه الاميرة الرومية ؛ لأنها تشاركه الغربة في الدفن ، فهي بعيدة عن أهلها وهو بعيد عن أهله ، فهما نسيبان في رحم التنائي والبعاد عن الأحباب ، وانظر إلى كثافة ( الغربة ) في الأبيات ، فقد تكرر في الأبيات سبع مرات ، وهذا شيء ملحوظ وله دلالاته النفسية !!
وليس المكانُ مكانَ اسهابٍ حتى نتوسّع في ذلك .
والقصة الثانية ؛ قصةُ رجلٍ من العرب ، كان ذا فصاحة في قومه ؛ وكان له حظٌّ من الشعر ، قال أبياتا يصف حالَه ، وأنّ الحياة لا تأتي على وتيرة واحدة بل لها تَقَلُّباتٌ وتقلبات تترك العاقلَ حيرانا ، والطفل مَشِيْباً !
ويصف أيضا عداءَ ابنِ عمِّهِ له ، وهذا الرجل قال قولا ؛ وافق القدرَ ، فوقع كما قال ، أنّه سيموت وسيبكي عليه الغريبُ ويفرحُ بموته ابنُ عمِّهِ ، فلما مات كان عبيدُ بن شَرِيَّة الجرهمي ، مارَّاً فرأى جنازةً ، فجاءها وجلس ، وبينما الناسُ يدفنون الرجل ، دمعتْ عينُ عبيد بن شرية الجرهمي - وكان لا يعرفه - واستحضر هذه الأبيات :
يَا قَلْبُ إِنَّكَ مِنْ أَسْمَـاءَ مَغْرُورُ
...... فَاذْكُرْ وَهَلْ يَنْفَعَنْكَ الْيَوْمَ تَذْكِيرُ
قَدْ بُحْتَ بِالْحُبِّ مَا تُخْفِيهِ مِنْ أَحَـدٍ
...... حَتَّىٰ جَرَتْ بِكَ إِطْلاقَاً مَحَاضِيرُ
تَبْغِي أُمُوراً فَمَا تَدْرِي أَعَاجِلَهَـا
....... أَدْنَىٰ لِرُشْدِكَ أَمْ مَا فِيهِ تَأْخِيرُ
فَاسْتَقْدِرِ اللَّهَ خَيْراً وَارْضَيَنَّ بِـهِ
........ فَبَيْنَمَا الْعُسْرُ إِذْ دَارَتْ مَيَاسِيرُ
وَبَيْنَمَا الْمَرْءُ فِي الأَحْيَاءِ مُغْتَبِطٌ
...... إِذْ صَارَ فِي الرَّمْسِ تَعْفُوهُ الأَعَاصِيرُ
يَبْكِي الْغَرِيبُ عَلَيْهِ لَيْسَ يَعْرِفُـهُ
........ وَذُو قَرَابَتِهِ فِي الْحَيِّ مَسْرُورُ
حَتَّىٰ كَأنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تَذَكُّرُهُ
........ وَالدَّهْرُ في أَيْنَمَا حَالٍ دَهَارِيرُ !
وكان رجلٌ بجانب عبيد بن شرية ، فلما سمع الأبيات ورأى دموع عبيد ؛ سأله الرجل : هل تعرف الميت ؟ قال : لا ، وقال له : هل تعرف صاحب هذه الأبيات ؟ قال : لا .
فقال له الرجل : صاحب هذه الأبيات هو هذا الرجل الميت ، والغريب الذي يبكيه هو أنت ، وترى ذلك الرجل المسرور الجالس هناك ، هو ابنُ عمه ، مسرورا بموته !!
سقتُ هاتين القصتين ، لأصِلَ إلى قصة المعلم الذي مات غريبا ، لقد كان معلما كبقية المعلمين يخطئ ويصيبُ ليس ملاكاً ولا معصوما .
ولكن عندما تُنْزَعُ الرحمةُ من قلبٍ ، فهنا الشقاءُ واللؤمُ ، لقد نُسِجَتْ أكفانُ هذا المعلم ، في ظلامٍ بأصابعَ ملساءَ ناعمةٍ عليها آثارُ ( المناكير ) ، وعليها آثارُ زَهَمٍ - زَفَر -
لم تشفع لهذا المعلم تلك الأيامُ ولا الليالي ، التي أمضاها وقضاها مع تلك الأصابع الناعمة ، نسجتْ أكفانَهُ وهي تغنِّي غناءَ الوفاءِ وغناءَ الصحبة وغناءَ العشرة ، إنها أصابعٌ تشبه كلَّ الأصابعِ الغادرةِ عبر التاريخ ، إنَّها أصابعٌ عرفتها الحضارات والديانات على اختلافها .
وقبل لَفِّهِ في أكفانه المنسوجة ، بكى هذا المعلمُ بُكاءً ترددت أَصداؤهُ في أرجاء المعمورة ، لكن لا أحد يسمع لا أحد يرحم ، ركض في تلك الشوارع التي يعرفها عندما كان معلما ذا هيبة وذا قيمة ، رَكَضَ يستجدي الأطفالَ قوتَ يومِهِ ، يزور فلانا وفلانا لعلَّه يسترجعُ ذكرياتٍ هربت من قاموسه الذي بدأ يتلاشى ويضمحلُّ شيئا فشيئا ، لكن لا فائدة .
فإنّ خدوش وجراحات تلك الأصابع قاتلة ومميتة ، حاول البقاء ؛ باع كلَّ شيءٍ ليبقى وتبقى روحُهُ قبل جسده ، باع القماش باع الأواني باع البرادي باع كأساً كان يشرب فيه الشاي أثناء ذهابه إلى مدرسته التي أمضى فيها زهرةَ عمره ، حاول أن يقتلع بلاط الغرف ولكن لم يستطع ؛ لأنه كان يعاني من كسور في ظهره قديمة .
باع كلَّ ما يملك ، ولكن قدرٌ الله وقضاءُ الله نافذٌ لا محالة ، فزاره الموتُ ، وصعدت روحُهُ وهو مستلقٍ على بلاطات الغرفة ، لا شيء حوله ، كم كانت تلك الليلة قاسيةً ، ماذا خطر في بالِهِ وهو يحتضر ، ما هي الوجوه التي جاءته ومَثُلَتْ أمام عينيه ؟!!
مات غريبا لا أحد حوله ، إلا أثارَ تلك الأصابعِ - السَّبُعِيَّة - لم يعرف موتَهُ إلا جيرانُهُ ، وكان سببُ الوفاة ؛ ضغطات قوية حطّمت فؤادَه وحطّمت كلَّ معاني الإنسانية ، كان قبرُهُ غريبا بين القبور ، تُخَيِّم عليه طباشيرُ الصف وممحاتُهُ التي كان يحملها أثناء ذهابه إلى غرفة الصف .
رحل مقهورا عن هذا العالم الغريب ، ولكنّ لعلّ الله يبدله خيرا وهو أرحم الراحمين .
قال تعالى : ( ولا تحسبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ ) .
...........
الجذامي
وزير الأوقاف يفتتح مسجد الصالحين في الرمثا
وزير الداخلية: الأردن يستضيف حالياً 3.5 مليون لاجئ من 43 دولة
ولي العهد يترأس اجتماعا في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة
حماس تقول إنها ستسلم جثماني محتجزين الثلاثاء
الذهب والفضة والبلاتين تواصل التراجع في المعاملات الفورية
وزير العمل: حريصون على تنظيم شؤون العمالة غير الأردنية
تراجع أسعار الذهب محليا في التسعيرة الثالثة الثلاثاء
وزارة الصحة تصدر أول ترخيص لاختصاصيي علم الأجنة في الأردن
منتخب السلة للشباب والشابات يشارك في دورة الألعاب الآسيوية
ورشة حول كشف التزييف باستخدام الذكاء الاصطناعي
بدء إنشاء مركز خدمات حكومي في مجمع الملك حسين للأعمال
واحة أيلة تطلق مشروع الزراعة المائية في العقبة
المومني: الأردن صوت العقل والاتزان في المنطقة
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
مأساة قناة الملك عبدالله: صرخة تتكرر بحثاً عن حل جذري
الأردنية: فصل نهائي بانتظار طلبة شاركوا في المشاجرة الجامعية
وظائف ومدعوون للتعيين .. التفاصيل
اتفاق شرم الشيخ .. محطة جديدة في مسار الصراع
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)
وزارة الأوقاف تغلق مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث
إحالة موظف في أمانة عمان للمدعي العام .. تفاصيل