جامعاتنا أمام امتحان التحديث

mainThumb
تعبيرية

12-03-2025 04:10 AM

في خضم الموجة الإصلاحية التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني منذ عام 2011، والتي شهدت تعديلات دستورية جوهرية تعزز الحريات العامة، واستقلالية القضاء، وتمكين الشباب والمرأة، وتحديث البنية التشريعية، ما زالت بعض الجامعات الأردنية تعمل بنُظم وتعليمات عفا عليها الزمن، وكأنها جزيرة منعزلة عن حركة التاريخ. فبينما ينص الدستور على قيم العدالة والشفافية والانفتاح وحرية التعبير، تُحاكي بعض اللوائح الجامعية عقليةً إداريةً تعود إلى حقب سابقة، لا تتناسب مع روح العصر، ولا مع الطموح الوطني نحو مجتمعٍ قائم على الإبداع والمنافسة.
وشهدت الأعوام 2011 و2016 و2022 تعديلاتٍ دستوريةً مهمة، ركَّزت على تعزيز دور البرلمان والرقابة على السلطة التنفيذية. وضمان استقلال القضاء. وتوسيع مشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة، ودعم الحريات الأكاديمية والإعلامية وتفعيل مبادئ الحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد.
لكنّ هذه التعديلات، التي يفترض أن تنعكس على كل مؤسسات الدولة، تصطدم بجدار التعليمات الجامعية القديمة، التي تُحكم قبضتها على آليات التعيين، والترقية، وحتى حرية البحث العلمي، بنصوصٍ جامدةٍ تعيق الابتكار، وتُكرِّس بيروقراطيةً مفرطة.
ولا يخفى على أي مراقب أن بعض الجامعات ما زالت تطبّق أنظمةً مثل: شروط تعيين أكاديميين تستند إلى معايير شكلية (كالعمر أو سنوات الخبرة التقليدية) بدلًا من الجودة البحثية أو البعد الدولي.
قيود على حرية طرح الأفكار في الأبحاث أو النشاطات الطلابية، تُناقض مبدأ الحرية الأكاديمية.
إجراءات إدارية معقدة تُهدر الوقت والموارد، مثل تعقيدات الموافقات على مشاريع التخرج أو الشراكات الدولية.
غياب آليات واضحة لمحاسبة الفساد الإداري أو تعزيز النزاهة، رغم التأكيد الدستوري عليها.
هذه النصوص تحوّلت إلى "نصوص غريبة"، كما وصفها أحد الأكاديميين، لأنها صارت مُستهجَنة في زمنٍ تُدار فيه الجامعات العالمية بمرونةٍ تحاكي الثورة الصناعية الرابعة، وتعتمد على الابتكار كأداةٍ للبقاء.
الإشكالية الأعمق ليست في النصوص وحدها، بل في عقلية القيادات الجامعية التي تتعامل مع اللوائح القديمة كـ"نصوص مقدسة". فكثيرٌ من المسؤولين تربوا على أنظمةٍ لم تتغير منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما خلق فجوةً بين إدارتهم وبين جيلٍ طلابيٍ يطمح إلى فضاءاتٍ من الحرية والتحوّل الرقمي.
وهنا، تصبح جلسات العصف الذهني ضرورةً لتفكيك هذه العقلية، عبر: إشراك الشباب والأكاديميين الجدد في صناعة القرار. ومراجعة شاملة للأنظمة بواسطة لجان مستقلة تضم خبراء في القانون الدستوري والحوكمة. وإلغاء أي تعليمات تُقيِّد التميز الأكاديمي أو تُعيق التشاركية.وتبني معايير مرنة للترقية والتعيين تعتمد على النشر الدولي والابتكار.
اليوم، نحتاج إلى جامعاتٍ تكون منصاتٍ لصناعة التغيير، لا سجونًا للنصوص البالية. فإذا كان الدستور الأردني قد انتقل إلى مرحلةٍ متقدمةٍ من مواكبة العصر، فمن العار أن تظل جامعاتنا – التي يفترض أن تكون منارات فكر – تراوح في مكانها.
ولتحقيق ذلك، لا بد من: إطلاق حوار وطني برعاية مجلس التعليم العالي، لوضع خطط زمنية لتحديث الأنظمة.تمكين الكفاءات الشابة في المناصب القيادية بالجامعات.ربط التمويل الحكومي للجامعات بمدى التزامها بمعايير الإصلاح الدستوري.إدخال مواد تدريبية للقيادات حول فلسفة الإصلاحات الدستورية وكيفية تطبيقها مؤسسيًّا.

وليس خافيًا أن الإصلاح عملية صعبة، خاصة في المؤسسات الأكاديمية التي توارثت أنماطًا إداريةً لعقود. لكن الأردن، بقيادة ملكية تؤمن بالتحديث، لا يملك رفاهية التأجيل. فالشباب الذين يتخرجون اليوم في جامعاتٍ عالقةٍ في الماضي، سيجدون أنفسهم غرباء في سوق عملٍ يبحث عن مبتكرين، لا عن حاملي شهاداتٍ فقط. آن الأوان لوضع النصوص البالية في سلة القمامة، وفتح النوافذ أمام هواء جديدٍ ينعش جامعاتنا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد