دفءُ العائلة

mainThumb

21-05-2025 03:33 AM

أنْ تعود بعد يوم عمل أو بعد مشوار إلى بيتِك فتجدُ من يستقبلك ويُرحّب بك، سواء استقبلك بابتسامة أو بعبارة ترحيب أو بقبلةٍ على جبينك أو خدّك، أكان المُستقبل أبا أو أمًّا أو شريك حياة أو ابنا أو ابنة، هذا يعني أنّك تعيش في عائلة، ويعني أنّ لكَ كيانا تلجأ إليه في أغلب أمورك، ويعني أيضًا أنّ لديك بوصلة تُرشدك إلى مسارك.
لاقت العائلة في المُجتمعات قاطبة وعبر كلّ العصور وفي كل الأديان اهتمامًا كبيرًا، فهي لُبنة الأساس في كلّ مُجتمع، ولا يكون المُجتمع سليمًا إنْ لم تكن عائلاتُه وأسره مبنية على أساس سليم، ولكيْ تأخذ العائلة دورها في البناء اعتبرتْ المُجتمعات رباط العائلة رباطًا مُقدّسًا، وغلّظت عقوبات المساس بهذا الرباط وهذا الكيان، وحثّت على أن تكون العائلة ذات بناء متين لأنّ متانتها تعني متانة المُجتمع وتماسكه، فالإنسان القويّ المُستعدّ للحياة والبناء هو إنسان عاش في عائلة قويّة بعلاقاتها، في عائلة يقوم بها كلّ فرد بدوره المنوط به؛ فالأب والأمّ يرعيان الأبناء ويقدّمان لهم كلّ أسباب الحياة والنجاح، يُقدمان الأساسيات التي تساعد الأبناء على الخروج للمجتمع جاهزين للمساهمة في بنائه، فيهتمّان قبل المدرسة بالأكل والشرب واللبس، والتوجيه والنصح والإرشاد، ويستمران بعد التحاق الأبناء في المدارس ويعملان إلى جانب المدرسة في تقوية الإعداد وتمكينه، وعلى الأبناء أن يُدركوا الدور المطلوب منهم ويُبدون الجِديّة في تنفيذه، هكذا تكون العائلة قد ساهمت في بناء المُجتمع، فالمرء ينشأ على ما عوّده والداه، وفي هذا قال الشاعر:
وينشأ ناشئُ الفِتيان مِنّا على ما كان عوّدهُ أبوه
أمّا الناظر في بعضِ بيئات مُجتمعنا اليوم، والمتأمل في تصرفات بعض الأفراد في الشارع العام، أو في أماكن التعليم، أو خلال قيادة السيارة، أو على مواقع ( السوشيال ميديا) فإنّه يرى تصرفات وأخلاقيّات يندى لها الجبين، فيقفُ مُندهشا، ويتساءل: هل عاش هؤلاء في أسر وعائلات وتلقّوا تربية أو تعرضوا لِنُصح وإرشاد؟ هل مرّوا على منظومة من الأخلاق والسلوكيّات؟ فيصل إلى حقيقة مؤلمة مفادها أنّ عائلات هؤلاء لم تكن عائلات دافئة، ولم تكن عائلات فيها صح وخطأ، وعيب ويجوز ولا يجوز، أو حرام وحلال، هؤلاء تعرّضوا لعمليات تسمينٍ وليس لعمليات تربية، وهذا مؤلم؛ أنّ يظنّ الوالدان أنّ تربية الابناء تكون بتوفير ما يحتاجونه فقط!
أرى أنّ سعادة الفرد الحقيقيّة تبدأ من عائلته؛ من التربية فيها ومن الالتزام بسلوكيّاتها المُنضبطة المُنبثقة من قيم الدين والمُجتمع، سعادة الإنسان أن يعيش في عائلة مُتماسكة تعرف دورها، ولا أقول مثالية.
أنا هُنا لستُ واعظا ولا ناصحا، ولكن اجعل لعائلتك وقتكَ الأكبر، وإن كنت مشغولا اجعل لعائلتك وقتًا تسحقه هذه العائلة؛ لأنّها ملاذك الآمن الدافئ الذي يحميك من صقيع العلاقات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد